د.عبدالله سعد أبا حسين
بعض الدارسين والمهتمين يتصور أن تراجم تلاميذ المجدّد تبدأ بأبنائه: حسين وعبد الله ومن في طبقتهم كحمد بن معمر وابن حجّي، ويمرّ عليه ذكر أعلام أكبر سنّاً من هؤلاء، ويجهل حالهم أو يتجاوزهم، وربما تخيّلهم تلاميذ لمن جاء بعدهم.
لقد أثبتت المصادر أنّ المجدد مكث في حريملاء أكثر من عشر سنين، وكان له فيها تلاميذ، ولما انتقل إلى العيينة جاءه تلاميذ أيضاً، ومن تلاميذه قبل انتقاله إلى الدرعية: عيسى بن قاسم، وأحمد بن سويلم، وثنيان بن سعود، فقد كانوا يراسلونه لما كان في العيينة1154هـ ـ 1157هـ، وكتب لهم في بعض رسائله: (وضّحته لكم مراراً).
أما ثنيان بن سعود (ت:1186هـ)، فلم أقف له على ترجمة في (علماء نجد) للبسام، وهو أخٌ للإمام محمد بن سعود، ومن مآثره أنّه شارك في قلع شجرة قريوة في الدرعية، والعجيب أنّه كان ضريراً، فيا لله ما أعظم ثوابه.
وأما أحمد بن محمد بن سويلم العريني، من أهل الدرعية، ولم أقف له على ترجمة مفردة في (علماء نجد) للبسام، وشارك في قلع شجرة قريوة أيضاً، ولما حصل عليه مضايقة من ابن عمّه عبدالله بن سويلم؛ كتب له الشيخ المجدّد في ذلك، ولما انتقل الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى الدرعية بات عند الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن سويلم ليلةً، ثمّ انتقل في اليوم التالي إلى بيت أحمد بن محمد بن سويلم، وهو البيت الذي جاء فيه الإمام محمد بن سعود، وحصلت فيه المعاهدة التاريخية.
وأما عيسى بن قاسم فمن أخصّ رجال الدعوة، ومن مآثره الحميدة: أنّه لما طلب أمير الرياض هدنةً مع الإمام محمد بن سعود سنة 1167هـ؛ أرسله الشيخ المجدد إلى الرياض معلّماً للتوحيد والأحكام، واستفاد منه جماعة، ثمّ إنّ ابن دوّاس نقض العهد سنة 1168هـ، فعاد ابن قاسم إلى الدّرعيّة، وخرج معه جماعة.
وجاء في مخطوط (عنوان المجد) التي طبعته مكتبة الملك عبدالعزيز سبق قلم من النّاسخ، قال: (فأرسل إليهم الشيخ محمد بن عيسى بن قاسم)، ويلحظ القارئ أنّه أضاف كلمة (بن) بين كلمتي (محمد)، و(عيسى)، فأوهمت العبارة وجود شخصيّة علميّة باسم (محمد بن عيسى بن قاسم)، وهذا الخطأ انتقل إلى طبعة المعارف القديمة لعنوان المجد، ولهذا ظنّ الشيخ عبدالله البسّام أنّ هناك شخصيّة علميّة لم يعثر عليها، وقال في آخر كتابه ضمن الأعلام الذين لم يعثر لهم على ترجمة: (محمد بن عيسى بن قاسم أرسله الإمام محمد بن سعود معلماً وواعظاً عند دهام بن دوّاس عام 1167هـ، ولعل ذلك وقت هدنته معه. ويُنظر ابن بشر)أهـ.
توفّي عيسى بن قاسم في بلدة الدرعية سنة 1203هـ، قال ابن بشر: (وفي سنة 1203هـ توفي الشيخ عيسى بن قاسم في الدرعية) هكذا في المخطوط، وأمّا المطبوع فوقع فيه خطأٌ، حيث جاء فيه: (علي بن قاسم).
ومن أعلام الطبقة الأولى من تلاميذ الشيخ المجدد: محمد بن صالح، وكان قاضياً في الرياض، ويسأل الشيخ عن المشكل، وعن المخالفات، وله مناقشة مع سليمان بن سحيم في مسألة كُفر الطّواغيت شمسان وغيره، والذين كانوا يزيّنون للناس الشرك الأكبر، ومسألة حلّ ما يأخذه القاضي من الخصمين قبل أن يحكم بينهما، وكتب ابن صالح إلى الشيخ محمد بتلك المجادلة.
ومن مآثره أنّه هاجر في سبيل الله مرتين، الأولى: من الرياض إلى منفوحة، والثانية: من منفوحة إلى الدرعية، وكلمة (هاجر) تعني: أنّه رحل لسبب محدّد، فإن الهجرة بتعبير ابن غنام لها مدلول تاريخي وفضيلة في حق المهاجر، وهذا ما حصل في حق ابن صالح.
ومنهم: عبدالرحمن بن ذهلان بن عبدالله بن ذهلان (ت: 1202هـ)، كان في الرياض، وهاجر إلى الدرعية متابعةً للدعوة، وصار من رجال الدعوة وأنصارها، وغفل البسام في (علماء نجد) (3- 48) عن خبر هجرته؛ فغابت هذه الفضيلة في ترجمته عنده، بل قال: (لم نسمع أنه دافع عنها مع قربه من الدرعية، وأنّه ترك الأمور تجري مجاريها ومكث يراقبها إلى أن مات على هذه الحال)أهـ باختصار.
ومنهم: حسن بن عبد الله بن عيدان من آل مشرّف (ت: 1202هـ)، وحصل في ترجمته عند الشيخ البسّام وهمٌ في (علماء نجد) (2-51-52)، وتابعه د.أحمد البسام في (الحياة العلمية) ص319، حيث جعلا ابن عيدان من تلاميذ أبناء الشيخ وحمد بن معمر، مع أنّه تولى قضاء حريملاء في طفولتهما سنة 1171هـ.
ومنهم: أحمد بن مانع، توفي في شقراء سنة 1186هـ، ووهم البسام في (علماء نجد) حيث جعل وفاته في بلدة الدرعية، ومن مآثره أنّه تابع الدعوة مبكراً، ونصرها، ووقف في وجه المعارضين بقلمه، وله ردّ على عيسى المويس قبل سنة 1175هـ.
ومنهم: حمد العريني الذي بعثه الشيخ معلماً، وكاد أن يُقتل، ولما علم بالكيد والمكر؛ هرب إلى الإمام ابن سعود والشيخ، وأخبرهم (عنوان المجد) (1- 129، و192).
ومنهم: محمد بن سلطان العوسجي البدراني الدوسري، تابع مبكراً، وأخذ عن الشيخ المجدد، ومن مآثره أنّه نقل لأبناء الشيخ المجدد ما لم يُدركوه من فتاوى الإمام المجدّد، وسبق أن ترجمت له في مقال نشرته جريدة الجزيرة مشكورةً.
وهناك غيرهم، ولم أقف على دراسة تظهرهم وتميّزهم عمن جاء بعدهم، ولهذا سمّيت دراستي: (الطبقة الأولى من تلاميذ الشيخ)، ولعلّ الله ييسّر نشرها، فإن برّ هؤلاء، وشكرهم وعدّ فضائلهم؛ وفاء تقتضيه المروءة، وهم قدوات ينبغي إظهارها وإشهارها لطلاب العلم والدعاة دائماً، والحث على الاقتداء بها، فإنهم نصروا الشيخ وتابعوه وقت الضعف وتكالب الأعداء وقوّتهم وإحاطتهم بالدرعية من كل جهة وجانب، وبذلوا وجاهدوا في سبيل الذّود عن الدولة ضدّ من اعتدى، وأدّوا المهام المنوطة بهم من التعليم وبثّ الدعوة، وانضبطت تصرفاتهم بضوابط الشرع، ولا يصدرون إلا عن رأي الشيخ وتوجيهه، ولا يفتاتون على الإمام، ولا على الشيخ المجدد، ولا ينزّلون أنفسهم فوق منزلتها، ولا يتطلعون لجاه ودنيا أو كثرة أتباع، ولا يحتالون أو يلبّسون على الآخرين، ولا يملؤون قلوبهم بالغلّ على الإمام ودولة الإسلام، وكانوا متصلين بالشيخ المجدد، ويرحلون بأمره إلى الجهات المختلفة للتعليم والدعوة، ويمكثون الشهرين والثلاثة، وإذا رجعوا؛ أطلعوا الشيخ والإمام على الحال، ويستشعرون دائماً أن الخطر على الدولة؛ خطر عليهم، وأن المصير مشترك، وأنّهم في دولة إسلام، وأنّ هناك من يحارب الدولة باسم الإسلام، وكانوا يتعاونون مع أمراء الجهات، وإذا وجدوا خطأً؛ نصحوا وعالجوه بالسرّ، وبلا تشويش، وهم بهذا ينفّذون إرشادات الشيخ المجدّد لهم.
رحمهم الله وغفر لهم وجمعنا وإياهم والشيخ المجدد وتلاميذه المتأخرين في جنات النعيم، وأعاننا على برّهم والوفاء لهم.