د.نايف الحمد
في يوم الجمعة الماضي 16 أكتوبر ولِد زعيم نصف الأرض وصاحب المجد والإرث الرياضي الكبير (نادي الهلال) على يد شيخ الرياضيين عبدالرحمن بن سعيد - رحمه الله.
في هذه الذكرى الخالدة.. وعندما نقلّب صفحات التاريخ الهلالي.. يلوح في الأفق رموز كبيرة حفرت أسماءها بوجدان جماهير الهلال وأصبحت جزءاً من تاريخ هذا الكيان.
رجال منهم من كان كالجبال في ثباته وقوته في بناء هذا الكيان العظيم والدفاع عنه ... ومنهم من كان كالسحاب يحلّق في المدار وينقل معه العاشقين إلى فضاءات واسعة من الحب والجمال والإبداع.
اليوم يا أحبة سنحكي قصة عاشقين.. الأول كان جبلاً تحطمت فوق عزيمته كل الصعاب.. أخذ بيد الهلال وبناه حتى جعله نادياً يفخر عشاقه بالانتماء له. إنه باني الهلال الحديث.. سمو الأمير الراحل عبدالله بن سعد - رحمه الله. والآخر كاتب وعاشق ترنم على ألحان كلماته عشاق الزعيم ورسم صورًا بانورامية للكيان الهلالي وأعطى من إبداعاته وموهبته للهلال ما جعل التاريخ يحفظ اسمه بمداد من نور. إنه الكاتب العاشق محمد الكثيري - رحمه الله.
هما وجهان لعملة واحدة.. يجمعهما عشق الكيان والفخر بالانتماء له.. سمو الأمير كان إداريًا محنكاً، كسر القواعد المعروفة في علم الإدارة وجعل من الموج الأزرق منزله الأول.. بل عاش هذا الكيان في وجدانه حتى إنه لم يقف بوجهه نظامًا بيروقراطياً أو إجراءً روتينياً حتى بات هذا النادي عملاقاً يعرفه القاصي والداني وامتدت سطوته حتى غطت القارة الصفراء بعظمتها واتساعها.
لم يكن عبدالله بن سعد يؤمن بالحدود الطبيعية للإنجاز ولم يرسم أهدافًا محددة يعمل في إطارها.. كانت أحلامه تعانق السماء ولا سقف لها لإيمانه الكبير بأن هذا الكيان لا يحتاج أكثر من رجال مخلصين وعمل دؤوب حتى يصل لأعلى مراتب النجاح ويحقق كل أحلام وتطلعات جماهيره الغفيرة.
كانت بداية الأمير عبدالله بن سعد من المدرجات، حيث شغل منصب رئيس رابطة مشجعي الهلال قبل أن ينخرط في العمل الإداري.. وفي عام 1404 تقلَّد رئاسة النادي مدة سبع سنوات نقل فيها الفريق نقلة كبيرة وحقق تسع بطولات من أصل 16 بطولة كان الهلال يمتلكها في ذلك الوقت.. كان من ضمنها أول بطولة خارجية لنادي الهلال (بطولة الأندية الخليجية).. عاد الأمير الراحل لرئاسة الهلال في عام 1414 هـ لكن الأقدار لم تمهل الأمير الشاب، حيث وافاه الأجل وهو في طريقة لحضور مباراة الهلال مع النجمة بالقصيم في (30 /4 /1415هجري) إثر حادت مروري.
نزل الخبر نزول الصاعقة على كل المنتمين للوسط الرياضي وشعر الهلاليون بصدمة كبيرة بفقدهم أحد أهم رجالات الهلال في تاريخه.. حيث تركت هذه الحادثة أثراً كبيراً في نفوسهم، وما زالوا يشعرون بالمزيد من الحزن لوفاته.. لكنهم يحتفظون بذكرى جميلة وتاريخ مشرف للأمير الراحل عبدالله بن سعد.
لم يكن الصحفي والكاتب محمد الكثيري بأقل عشقاً للكيان الهلالي من سمو الأمير.. فقد سحر هذا المبدع قلوب الهلاليين بقدرته الفائقة على التعبير عن هذا العشق وأصبحت الجماهير الهلالية تتغنَّى باسمه وتتلقف إنتاجه وتفتخر به.
كان الكثيري -رحمه الله- ممن لا يحسنون (إمساك العصا من النص)، بل كان مُتيّماً بالهلال يعبِّر عن عشقه بدون تحفظ، ويعتقد أن هذا التعبير حق له وأمر يخصه وحده ولا يهمه أن يرضى عنه الجميع.
كانت عباراته مليئة بالشجن.. تدغدغ أسماع جماهير الهلال.. وتعكس ما تحمله دواخلهم وتترجم عشقهم لهذا الكيان.
لقد مثّل الكثيري نموذجاً مثالياً للصحفي المتمرِّس المبدع.. حيث استطاع أن يجمع بين التميز لدرجة الإبهار في العمل الصحفي، وبين اللمسة الإنسانية والشهامة التي كان يصفه بها كل من تعاملوا معه.. والصدق في طرحه دون مواربة أو نفاق.
حاز الكثيري على العديد من الجوائز الشخصية.. كان أهمها جائزة أفضل كاتب إسلامي (1403هجري) من مجلة الدعوة.. وأفضل كاتب رياضي في استفتاء مجلة اليمامة (1404هجري).
سيظل العاشق الهلالي الكبير محمد الكثيري حاضرًا في ذاكرة الهلاليين وإن غيَّبته الأقدار... فإبداعاته ستبقى ولن تموت.