د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** من يعرفُه يألفُه ومن يألفُه يحبُّه ومن يحبُّه فلن ينفكَّ ارتباطًا به، ولو قصَّرنا في حقه سيفي حقَّنا، وإن غفلنا بدواعي الحياة فسنراه أمامنا شخصًا أو صوتًا، ومعهما دعوةٌ جميلة للقاءٍ مع أصدقاءَ بعد صلاة العِشاء، ولن تقدر على الاعتذار عن العَشاء، ولا حدود لكرمه بشاشة وجهٍ وحسنَ حديثٍ وبذخَ مائدة.
** كنا على وعد لقاء قريبٍ حال دون تحققه عامًا أو يزيد مرضُ قلبه واعتلال ظهره ثم جائحة كوفيد 19، وقبل أيام - وصحتُه تتحسَّن والوباء يتراجع - تجدد الحديثُ عن زيارته، وأيقنّا أنها قاب شهرٍ أو أقل؛ فسبق القدر بإرادة الله؛ فندعوه تعالى أن يُبدله دارً خيرًا ويجعل ما أصابه تكفيرًا وتطهيرا.
** كان لقاؤنا الأولُ الذي لا يذكره «عبدُالله» في مقر الإذاعة بمِنى وقت الحج، وكان صاحبكم طالبًا، وحضر مع صديقه الغالي الدكتور عبدالعزيز السبيّل، ورأى كبار الإذاعيين، وفيهم رموزها من أمثال بدر كريم ومحمد الشعلان وأحمد حريري وحسين نجار ومحمد الرشيد وعبدالله الشايع وناصر الدعجاني وعبدالله الزيد وآخرين، لكنه لقاء عابرٌ لم يتجاوز تأمل مقتحمٍ للمشهد عاشقٍ للإذاعة مُصغٍ لكبارها قادته الظروف للانضمام إليها بعد ذلك متعاونًا عام 1985م، ومنذ أكثر من ثلث قرن ونحن على صلةٍ قوية لم يبدلْها انقطاع صاحبكم عن الإذاعة قبل عشرين عامًا.
** لم يكن أبو عبدالرحمن إذاعيًا فقط، بل هو شاعرٌ تناظري وتفعيلي، وكاتب قدير، ولغوي متمكن، ومشروع روائيٍ ساخر، وكم جلسنا معه في ضحك متصلٍ حين يقرأ علينا بعض فصولٍ ابتدعها بشأن قضية معينةٍ وملأها شخوصًا ومشاهدَ وحكايات ومفارقات، وفي معضلة صراع الحداثة طاله ما طال أنقياءَ وأتقياءَ بالرغم من أنه متوضئٌ يقيم فرضه ويصل رحمه ويبرُّ ناسَه، وما عُهد عنه غيرُ الصدق المفرط والضمير اليقظ، ولا نزكي على الله أحدا.
** له حضوره في الشاشة وخلف المايكروفون، عباراتُه مرتجِلًا موحية، وأداؤه رسميًا واثق، ومواقفُه لا توسط فيها مقابل مبادئه، وخسر مواقع وظيفيةً أعلى لعدم انقياده لما لا يراه حقًا، وكنا ندرك إضافاتٍ يصنعها وهو يقرأُ نشرةً أو موجزًا أو يشارك في برنامج مباشر فنتداولها بابتساماتٍ تتوازى مع معرفتنا به واستمتاعنا بظَرفه.
** سيرثيك بكاء التداعي، ونوارة الفأل، وسيمتد الدمع من عيون محبيك، ويورق بالذي كان ويكون، ليروي ما قاله البدء، كما شئت وما سيقوله البَعدُ والبُعد إثرَ رحيلك.
** غاب عبدالله بن عبدالرحمن الزيد (1372-1442هـ) بسكتةٍ قلبية فجر الأحد، وغاب معه مثقفٌ أصيل وإعلاميٌ مبدع وصديقٌ نادر؛ فندعو الله أن يرفع درجاته في عليين.
** الثَّرى مصير.