عبدالعزيز السماري
لا يمكن تجاوز المرحلة العربية الراهنة، والتي دخلت في معارك كسر العظم في صراع الخارج مع الداخل، وصراعات الداخل مع الداخل، وقد تحولت إلى أشبه بالحرب الأهلية، والتي ستأخذ مسارها إلى أن تجد المسار الذي يؤدي إلى السلام، وقد تخسر الأوطان شبابها بسبب حالة الصراع الذي يهدف إلى فرض حقيقة واحدة للجميع، ويتم فرضها بالقوة.
بينما تعلّمنا من تجارب الآخرين أن الحقيقة متعدِّدة المصادر، وأن الاختلاف في العرق والمذهب من طبائع الأوطان الحديثة، ولذلك سيصلون إلى هذه الحقيقة بعد عقد من الزمان أو أكثر، ليبدأوا بعدها مسيرة مشتركة للوصول إلى مجتمع تحكمه الحرية والتعددية والقانون.
لذلك لك حق الاختلاف مع الآخرين في إطار قانوني واضح، لكن من دون المساس بحريات الآخرين ومعتقداتهم واختلافهم، وتحقيق هذه المرحلة من التقنين واحترام الآخر قد يكون همزة وصل بين عصر وآخر، ولعلها أحد أهم أسباب الحروب الأهلية، فالشمولية أصبح داء يُصاب به الناس، فالجزء يريد فرض تفسيراته على الكل بالفرض.
ولعل اليمن والعراق يمثِّلان واقعاً لهذه الحقيقة المرة، فالأجزاء تريد فرض رؤيتها على الآخرين، مما يعني طول أمد الصراع، وانتظار اكتمال مراحل قبل الوصول إلى حالة السلم الاجتماعي، وقد يفقدون مزيداً من الضحايا في الطريق إلى الحرية والسلام.
من أجل فهم الصورة علينا قراءة الوضع في إيران، والذي يتصدر المشهد، ويصدر مثل الصورة إلى الآخرين، فحكم ولاية الفقيه وضعت مختلف فئات الشعب الإيراني تحت الضغط، فالفقيه يفرض تفسيراً واحداً للشعب الإيراني، ويضع بقية الفئات المختلفة في حالة الشاذ، بينما هم ربما يشكِّلون الغالبية، وهو ما يجعل من الوضع الإيراني صورة مثالية للشمولية المذمومة.
كان تأثيرها كبيراً على بعض الدول المجاورة، فالمذهب أصبح أولاً قبل الوطن، ولهذا تبدو العراق في حالة مرتبكة سياسياً، ووصلت تأثيراتها إلى فئات في الخليج، وذلك بسبب حالة التجنيد والولاء إلى الوالي الشيعي المقدَّس في قم، وهو ما يجعل من المجتمع في حالة ماضوية شديدة الخطورة.
لهذه الأسباب تحتاج الشعوب العربية لمزيد من الوعي السياسي المدني، وذلك من أجل تجاوز التلاعب بعواطف الأتباع، واختطاف ولاءهم الوطني إلى ولاءات خارج الحدود، وتدخل في ذلك مجموعة من الجماعات السنية أيضاً، فولاؤهم لرؤية شديدة التطرف، وتتجاوز الحدود الوطنية عند البعض.
من خلال هذا الواقع، تبدو مسيرة الوطن العربي إلى مراحل الوعي السياسي المدني طويلة ووعرة، وقد لا تصل مبكراً، فالناس تائهون بسبب تشتت الخطابات الطائفية، وخروجها عن المصالح الوطنية إلى ولاءات خارج الأوطان، وقد تدخل في ذلك القبائل، ولكن بدرجة أقل بكثير، فالمصيبة أن يعتبر الشيعي الإيراني أخيه الشيعي العراقي أقرب إليه من مواطنه السني، وأن يرى السلفي الخليجي أنه أقرب إلى سلفي أفغاني من مواطنه الشيعي.
لذلك ما زالت فلسفة الأوطان متخلِّفة كثيراً في الشرق العربي، وربما نحتاج إلى مزيد من الوعي المدني من أجل الاقتراب إلى هذا المفهوم، ولعل أقصر الطرق إليها هو إصلاح الاقتصاد ودفع الناس إلى ثقافة العمل والمصالح المالية المشتركة، وهو ما سيرسخ العلاقات الودية بين أبناء الوطن الواحد، فالمصالح أقوى بكثير من أي روابط أخرى.