م. بدر بن ناصر الحمدان
في المرحلة الثانوية كلفتني المدرسة أن أكون رئيساً لتحرير مجلة طلاّبية اسمها «العقيدة» ضمن نشاط اللجنة الدينية وطلبوا مني وفريق العمل أن يكون العدد الأول «متميزاً» و»مُختلفاً» عن المجلاّت الأخرى باعتبار أنها ستخوض منافسة مع قريناتها من مدارس المنطقة وأن المُراهنة ستكون عليها، كان ذلك ناتجاً عن ثقة مدرستي بي، وتوسمها خيراً بقدرتي على تقديم شيء «مُختلف».
أتذكر أنني حينها دخلت في تحدٍّ مع نفسي للإيفاء بما هو مأمول مني، وعملت على البحث عن فكرة غير مسبوقة يمكنها أن تُحدث إثارة وجدلاً يجعل من هذه المجلة إصداراً خارجاً عن المألوف، خاصة أنني لم أكن ضالعاً في الثقافة الدينية - التي كانت سائدة في ذلك الوقت - مقارنة بزملاء آخرين يتفوقون علي بمعلوماتهم وعلمهم في هذا الحقل، لذا كان علي أن أجّر هذه المنافسة إلى الدائرة التي أجدني أتفوّق فيها لضمان كسب ذلك الرهان، توصّلت إلى شيء من ذلك وجمعت زملائي أعضاء فريق المجلة في ملحق منزلنا ذات مساء، وأقنعتهم «قسراً» أن نضع صورة اللاعب الأرجنتيني «دييغو مارادونا» على صفحة غلاف العدد الأول من مجلة «العقيدة».
كان مارادونا حينها حديث الساعة وفي أوج سمعته الكروية وكانت أخباره طاغية على المشهد الإعلامي، بعد هدفه الذي سجله في مرمى منتخب إنجلترا في كأس العالم 1986 آنذاك، ووصف الإعلام لمارادونا بالساحر، وأن كرة القدم بالنسبة له أشبه بالعقيدة لذا فهو يمارسها بروحانية عميقة، من هنا جاءتني فكرة ربط عقيدة الإنسان - غير الدينية - بالأشياء التي يؤمن بها كمدخل للمجلة بما يُمكنّها من جذب فئة من الشباب غير المهتمين بالمواضيع الدينية وكيف يمكننا أن نؤثر فيهم بتسويق رسائل المجلة من خلال كرة القدم التي يتابعونها ويهتمون بها.
في مساء يوم الجمعة استكملنا طباعة المجلة بشكل ذاتي وذهبنا للمدرسة ليلاً ونشرناها في اللوحة الخضراء ووزعنا أعداداً منها على مكتب المدير وكافة الفصول الدراسية، عدت ليلتها إلى المنزل ولم أستطع أن أخلد إلى النوم، كانت الفكرة بالنسبة لي شيئاً استثنائياً وكنت انتظر أن يأتي يوم غد بفارغ الصبر لأرصد ردود الفعل حول العدد الأول من المجلة، لقد كنت واثقاً من أنها ستحدث تأثيراً كبيراً.
مع دخولي بوابة المدرسة في الصباح الباكر وجدت أحد الإداريين ينتظرني وقال لي بلهجته المحلية: «المدير يدوّرك من الصبح ويقول إذا ما جاء رح جبه من بيتهم»، أيقنت لحظتها أن الفكرة حققت هدفها، ولكن كانت تعابير وجهة ذلك الإداري غير مطمئنة، دخلت إلى مكتب المدير وشاهدت كمية أوراق ممزقة تم وضعها في كرتون كبير، تأكدت حينها أن الأمور ليست على ما يرام، قال لي المدير وهو في حالة غضب شديد لم أعهدها من قبل: «الشرهة ما هيب عليك، الشرهة علينا نخلي مهبول مثلك يسوّي مجلة المدرسة»، طلب استدعاء ولي أمري، وأصدر قراراً باستبعادي من المجلة ومن النشاط الطلابي برمّته، وبتوقيعي على تعهد بعدم تكرار ذلك.
انتهت مغامرة تلك المجلة بصدور عدد يتيم منها، نُشر بعد منتصف الليل وأوُقِف مع شروق الشمس، أما بالنسبة لي لم تنته الحكاية أبداً، بل كانت البداية لرحلة جديدة تعلمّت فيها كيف أُفَكِّر بشكل مختلف، لكن كيف يمكن أن يحدث هذا، الإجابة تكمن في أن تتأكد أولاً بإن داخلك «إنسان مختلف»، وأن تتقن التعامل مع الأشياء بمبدأ «النظر إلى المألوف بطريقة غير مألوفة»، كما يقول «ريموند اينمون»، هذه هي الخلاصة التي لن تستطيع كل مهارات التنمية البشرية تعليّمك إياها.