عبدالله بن محمد الفيصل
جرى قلم معالي الأستاذ عبدالرحمن بن إبراهيم أبو حيمد سيالاً في أزقة وسكك وأسواق ودهاليز بلدنا الجميلة «عودة سدير». وأخرج لنا تحفة ثقافية في كتاب شيق جميل عنونه بـ «عودة سدير. الإنسان والمكان».
عندما يمتزج الحب بالفن يخرج الإبداع في صورته الأخاذة. وهذا ما أتحفنا به أبو أحمد. ولقد هيأ القارئ إلى ما يتوقع أن يجده بين دفتي الكتاب فقال في تصديره «حاولت فيه أن أجمع بين التاريخ وجغرافية المكان والتراث والحضارة». ومن هذا المنطلق بسط تاريخًا موجزاً للبلدة «العوده»، مستشهداً بعدد من معالمها التاريخية. ولكون «مدينة غيلان» أو قصر غيلان أشهر وأقدم معلم تاريخي باقٍ من آثار مدينة «جماز» القديمة التي ورثت «العودة» الآن مكانها، فقد أفاض الكاتب في وصف ذلك المعلم مستنداً على خبرة عملية وتطبيقية من أحد أبناء العودة. ثم استعار من الخبرة الفنية ليصف التخطيط العمراني في العودة القديمة الذي يمثل النمط السائد في نشوء المدن الإسلامية التي يمثل المسجد المبنى المركزي فيها ثم تشعب الطرق والأزقة والحواري في مسارات وخطوط إشعاعية تتباعد كلما ابتعدت عن مركز المدينة وتتقاطع في حلقات دائرية تمثل توزيع الأحياء بمبانيها المتلاحقة. ولكي تكتمل صورة التخطيط والبناء فقد قدم للقارئ الكريم وصفاً مفصلاً لرصف أماكن تجمع المياه في المزارع وطريقة طي الآبار، وأشاد بالمهرة من أهل العودة ومِن مَن جاورها في القيام بهذه المهمة.
ولكون الكتاب تعريف بالمكان ونشاط الإنسان فقد استطاع الكاتب محاطاً بعاطفة الانتماء المكاني إلى التعريف بالحياة الاجتماعية والسياسية، لافتاً إلى أن المجتمع يدار من قبل أبنائه عن طريق اختيار أمير البلدة من قبل أهل الرأي فيها، مستنداً في ذلك إلى خبرة أكاديمية عميقة من أبناء العودة.
ولتسليط ضوء أكثر على الجوانب الثقافية فقد أحسن الكاتب في حفظ أسماء من تولى الإمامة في جامع العودة، ومن تولى التدريس والتعليم في الكتَّاب قبل فتح المدرسة النظامية، ثم من تولى التدريس والإدارة بعد فتح المدرسة النظامية. وهذه لفتة كريمة لحفظ تاريخ أولائك الأخيار الذين أسهموا وبشكل تطوعي غالباً في رفع مشعل العلم والثقافة في وقت كان الكل منشغلاً بأمور معيشته. ثم استفاض في التعريف بالحركة الثقافية في صور متعددة كالأشعار والأهازيج والألعاب.
وكلفتةٍ للإشادة بإعادة إحياء القرية التراثية التي أصبحت معلماً سياحياً ونقطة جذب في المنطقة. واحتلت موقعاً مقدراً في خرائط التعريف بالمنطقة السياحية في بلادنا الغالية داخل المملكة وخارجها، فقد أبرز مساهمة الأهالي المالية والإدارية في إعادة البناء.
ولتكتمل الصورة ختم الكاتب بتعريف بالوقع الحالي للبلدة حيث المدارس والرعاية الصحية والمساكن الحديثة والطرق المسفلتة المنارة، وما قام ويقوم به الرواد من خدمات ثقافية واجتماعية.
ولكون بلدة العودة وما يحيط بها من مواقع برية جاذبة لمن يريد الخروج من ازدحام المدن وضوضائها، ويتمتع بالأجواء المعطرة بروائح الخزامى والنفل ويستمتع بالأجواء الماطرة أيام الربيع فقد ألمح إلى ذلك في رسالة غير مباشرة.
وبدرجة عالية من الأمانة العلمية فقد أكد الكاتب أكثر من مرة أنه استفاد من كتابات من سبقه مِن مَن كتب عن العودة، ذاكراً الأستاذ الدكتور عبدالعزيز بن محمد الفيصل والشاعر أحمد بن عبدالله الرافع -رحمه الله- والمهندس بدر بن ناصر الحمدان.
لا شك أن هذا الكتاب إضافة قيمة للتعريف بالعودة كبلد وتاريخ ومعلم سياحي. فشكراً لمعالي الأستاذ عبدالرحمن وجزاه الله خير الجزاء على ما قدم ويقدم لخدمة هذه البلدة الساحرة. والله من وراء القصد.
** **
- كليات الشرق العربي