عبدالرحمن الحبيب
«كثيراً ما يقال أن الانهيار الاقتصادي للصين قادم لكنه لم يأت ولن يأتي أبدًا» هذا ما كتبه توماس أورليك، كبير الاقتصاديين في بلومبرج والخبير بالشأن الصيني في كتابه «China: The Bubble that Never Pops» (الصين: الفقاعة التي لا تنفجر أبدًا) متناولاً الزخم الاقتصادي الصيني المقاوم للأزمات، والذي نجا من توقعات لا حصر لها بالانهيار، بل إنه تعافى سريعاً من تبعات وباء كورونا فيما يترنح الغرب من أوجاعها..
لطالما تكررت التوقعات بأن الاقتصاد الصيني محكوم عليه بالفشل، وأن فقاعته المالية ستنفجر قريباً، وقطاع العقارات سينهار عاجلاً أو آجلاً.. المصانع مصيرها الإفلاس.. والبنوك ستغرق في القروض المعدومة.. بنية تحتية تناثرت فيها مدن أشباح فارغة.. مناطق صناعية مطاردة من قبل شركات غارقة بالديون.. تعرفات تجارية تسد الطريق إلى الأسواق العالمية.
ومع ذلك، وعلى عكس الاحتمالات، النمو يستمر والثروة تتزايد، ويتوسع النفوذ الدولي للصين حسب أورليك الذي يذكر: حتى لو حدث وانفجرت الفقاعة فإن حجم الصدمة سيكون هائلاً ليس على الصين فقط بل على العالم أجمع. لذا، بالنسبة لأولئك في الغرب الذين يشاهدون بعصبية صعود الصين كمنافس جيوسياسي، قد يكون البديل أقل قبولاً..
يرى البعض في المشاريع الصينية أنها محاولة لبناء نفوذ استعماري جديد عبر الأسواق الناشئة مع تضاؤل قوة الولايات المتحدة؛ بينما يرى آخرون في فشل مشاريع محددة دليلاً آخر على الامتداد الاقتصادي المفرط، المرتبط بقوة بمدن الأشباح والجسور التي لا تؤدي إلى شيء ذي قيمة.. هذا التناقض يرقى إلى حالة حادة يسميها أورليك «sinophrenia» أو صينوفرينا على وزن شيزوفرينا (فصام): حالة من تعليقات تجمع بين الاعتقاد بأن الصين ستنهار قريبًا مع الاعتقاد بأنها تسيطر على العالم. لكن أورليك يجادل بأن كلا الرأيين يركزان باهتمام شديد على روايتهما الخاصة للمستقبل لدرجة أنهما يفوتان ما يحدث بالضبط في الوقت الحاضر.
يقسم الكتاب تاريخ الصين بعد وفاة ماو تسي تونغ عام 1976 إلى دورات متميزة: الإصلاح في عهد دينغ شياو بينغ وانفتاح الاقتصاد؛ ثم الفترة الممتدة من بعد إخماد مظاهرات تيانانمين عام 1989 إلى الأزمة المالية الآسيوية عام 1997؛ ثم التغييرات المرتبطة بانضمام الصين عام 2001 إلى منظمة التجارة العالمية؛ وأخيراً الإنفاق على البنية التحتية لمواجهة آثار أزمة عام 2008 وصولاً إلى التعامل مع حرب دونالد ترامب التجارية. متتبعاً الخطوات السياسية والعثرات التي دفعت الصين إلى شفا أزمة ائتمان «لحظة ليمان»، ومن خلال الخوض في الميزانيات العمومية للبنوك والشركات والحكومات المحلية، فإنه يدقق في أعماق المخاطر المالية.. من اليابان عام 1989، إلى كوريا عام 1997، إلى الولايات المتحدة عام 2007، واضعاً الصين في سياق سلسلة متماوجة من الأزمات العالمية.
الصين أظهرت قدرة مستمرة على درء الأزمات عبر الانتقال إلى قطاع خاص أكثر ديناميكية، أو إلى اقتصاد قائم على الخدمات، أو عن طريق تقليل الاعتماد على التصدير.. إضافة لما يطلق عليه أورليك «ميزة التخلف» فاقتصاد الصين منتصف القرن العشرين متأخر كثيراً عن العديد من الدول الكبيرة الأخرى وكان لديه مجال أكبر للنمو والنهوض. ويشير أيضًا إلى أن صانعي السياسة في البلاد «واجهوا» الأزمة المالية الآسيوية وأزمة عام 2008، وأوقفوا مسارات الأسهم، ومنعوا تدفقات رأس المال إلى الخارج. طبعاً، هناك تحديات ضخمة: طبقة وسطى ثرية قد تطالب بتحرير سياسي؛ الحاجة إلى إصلاح سيطرة الدولة على النشاط الاقتصادي؛ أسعار العقارات الجامحة..
لعل المؤلف بالغ بداية بعنوان الكتاب بوضع كلمة «أبداً» إذ لا يمكن الحسم بهذه الدرجة للمستقبل، إلا إذا كان القصد نوعاً من لفت الانتباه لموضوع الكتاب.. ففي معرض شكها بوجود فقاعة اقتصادية لا تنفجر ترى مجلة إيكونيميست أن قوانين الاقتصاد تستبعد وجود فقاعة لا تنفجر أبدًا، فلا توجد وجبة غداء مجانية أو فاتورة بالدولار غير مدفوعة الأجر. في الواقع، لطالما فكر المنظرون في إمكانية وجود فقاعات مستدامة، مستوحاة من أعمال اثنين من الفائزين بجائزة نوبل، بول سامويلسون عام 1958 وجان تيرول عام 1985؛ اللذين أظهرا أن الفقاعات يمكنها الاستمرار عندما يتجاوز معدل نمو الاقتصاد باستمرار سعر الفائدة.
أما الفايننشال تايمز فترى أن قوة هذا الكتاب تكمن في قدرته على مقاومة التفسيرات الأيديولوجية الصارمة للنموذج الصيني. لكنه بدلاً من ذلك تاريخ من الأزمات والاستجابة، حيث يُنظر إلى صانعي السياسات غالبًا على أنهم يتعلمون من التجارب السابقة. إنما الوضوح الظاهري لدروس الصين الاقتصادية قد يكون نتاجًا للقيود المفروضة على المعلومات والحرية الفكرية التي يشير إليها أورليك. كما أن سيطرة الدولة على الاقتصاد تُعقِّد القدرة على تحديد المشكلات الاقتصادية، مثل ارتفاع معدلات البطالة بالمقام الأول.
أخيرًا، يقدم الكتاب دليلاً قويًا على كفاءة الحكومة الصينية ومرونتها في مواجهة التحديات. لكن كما علمتنا التجارب التاريخية ليس من السهل استقرار الهدف الرئيس للأفراد الذين يديرون البلد، فبعد كل شيء، فإن التاريخ العالمي للأزمات علمنا بالفعل أنه من الصعب للغاية رسم خريطة حوافز مدمجة في بيروقراطية بنك استثماري واحد، ناهيك عن الحزب الشيوعي الصيني، حسب الفايننشيال تايمز.