رشيد بن عبدالرحمن الرشيد
يوم السبت (18-12-1441هـ) كان يوماً حزيناً بالرس، أم تفقد أحد أبنائها البارين بها، ومحافظة تصبح على نعي عزيزها الغالي الذي أودعها قلبه فكانت له البنت المدللة، محاولاً أن يصورها بأحسن صورة ويلبسها أجمل الحلل ويفاخر بها بين أترابها.. تلك الأم قرأت في وجهها الأسى والحسرة على فقد ابنها الذي فاض وفاؤه وعطاؤه بلا كلل ولا ملل.. نعت الأم ابنها بكل عبارات الودِّ والمحبة ولسانها يلهج بالدعاء والمغفرة والرحمة.. كيف لا وهو المربي الفاضل محمد بن صالح الغفيلي.
وأحسن الحالات حال امرئ
تطيب بعد الموت أخباره
يفنى ويبقى ذكره بعده
إذا خلت من شخصه داره
محمد بدأ حياته طالباً للعلم في المدارس الابتدائية ليلتحق بالمعهد العلمي بالرس من الدفعات الأولى، وبعد خمس سنوات كان من أوائل الخريجين واضعاً نصب عينيه كلية الشريعة، فكان ذلك الطالب المجتهد والذي تبدو عليه سيما الصلاح والتقوى.. وبعد تخرجه وجد نفسه ممن تم اختيارهم للقضاء.. بقي محمد ملازماً للقاضي الشيخ محمد بن عبد الله الصغير بمحكمة الرس لمدة عام أو أكثر.. لكن أبا صالح لم يجد نفسه بالقصاء فاعتذر وطلب الالتحاق بسلك التعليم، وهناك وجد ضالته كمعلم في المرحلة المتوسطة (المتوسطة الأولى) عثمان بن عفان ثم معلمًا بالمرحلة الثانوية (بثانوية الرس) ليصبح بعد ذلك مديراً لها وقائداً متميزاً.. وفي عام 1407هـ كان له شرف إدارة التعليم بالرس.
حمل الأستاذ المربي الفاضل محمد بن صالح الغفيلي همَّ التعليم بقلب كبير وكفاح عظيم، ولم تكن سفينة التعليم هادئة ولكن في موج من المعوقات والسلبيات استطاع هذا الربان أن يقودها إلى الشاطئ الجميل، فقد كانت الإدارة سباقة إلى بناء المدارس.. وتشارك وتحقق إنجازات بلغة الأرقام في جميع المجالات التربوية والتعليمية على مستوى المعلمين والمشرفين والطلاب.. وإن تشجيع أبا صالح وحرصه ومتابعته كان له أثر عظيم في تحقيق مراكز متقدمة وبالرغم من المساحة الجغرافية الشاسعة لتعليم الرس في ذلك الوقت إلا أن هذا المربي والقائد سهَّل المعوقات وذلَّل العقبات وصنع إدارة ذات أبعاد وزوايا مختلفة هدفها الارتقاء بالعملية التربوية والتعليمية.. استطاع أن يرتب البيت التعليمي ويسدَّ الثغرات ويضع الرجل المناسب بالمكان المناسب.. كان مجتهداً ينشد الكمال ويعمل بصمت ليوفر جوًا تربويًا مريحًا للطالب وأحسبه والله أعلم أنه أتقن العمل وأبرأ الذمم.
أخو الفضل حيٌّ خالدٌ بعد موته
وأوصاله تحت التراب رميم
ترجل الفارس بعد سنوات من العطاء وقرر أن يودع المكان ليستريح المحارب بعد عناء طويل في رحلة التعليم ويسلم الراية إلى قائد جديد.. ودَّع أبا صالح المكان ولكنه لم ينتظر التكريم وربما لم يتفاعل مع فكرته لنفسه لأنه ربما يرى أن ما قدمه خدمة لملكه ووطنه ومحافظته هو واجب وطني.. وأقل وفاء لبلد معطاء.. ترجل أبا صالح عن العمل الحكومي لكن عشقه وحبه لمحافظته لا يزال يخالط مشاعره فتم اختياره عضواً في لجنة الأهالي ثم رئيساً لها لاحقاً ولم يكن أبا صالح رقماً مكملاً للنصاب وصوتاً خافتاً لكن كان نبراساً للوفاء والعطاء وقدوة لزملائه باللجنة وكان يسابقهم البحث عن سعادة هذه المحافظة والسعي إلى كمال خدماتها.. بلا شك ليس وحيداً فقد كان معه سواعد فتية وأسماء بارة لمحافظة غالية.. كان كثير المبادرات سفراً إلى الرياض وبريدة ليس بحثاً عن مصلحة خاصة أو تجارة عابرة.. لكن سعياً لمتابعة مشروع متعثر أو فرحة لم تكتمل وكان على حساب صحته وربما ماله وسعادته.
قد مات قوم وما مات فضائلهم
وعاش قوم وهم في الناس أموات
عرفت أبا صالح رجلاً حريصاً على عمله وربما استكماله مساءً، لين الجانب يحب المخلصين ويقدرهم، يعالج ما يقابله بحكمة وروية... كريماً بشوشاً واصلاً لرحمه كثير السؤال عن الأحوال والآباء والجيران، متفقداً لهم مشاركاً للجميع أفراحهم وأتراحهم، مدخل السرور والطمأنينة لهم.. زاهداً نقياً يسعد بجمعة أصحابه وجيرانه كل جمعة ليأنس بهم في منزله.. واصلاً بأخوته من خلال مجلس يومي بعد مغرب كل يوم في مركز المطية بأطراف الرس.. حريصاً على زيارة المرضى وإدخال السرور عليهم.. أبا صالح يحمل (أكزيما) خاصة تجد القبول والمحبة من الجميع على مستوى المسؤولين والأهالي وأسرته الكريمة (الغفيلي) وأسرة التعليم والتي أرجو منك أن تكرمه بأثر رجعي بإطلاق اسمه على أحد القاعات التعليمية، وكذلك آمل من محافظنا العزيز الأستاذ حسين العساف تبني إطلاق اسمه على أحد شوارع المحافظة حتى يخلد ذكرى تكريم قامة بحجم أبا صالح -رحمه الله.
لقد أبكرت يا رجل الرجالِ
وأسرجت المنون بلا سؤال
فأججت الأسى في كل قلب
وجارحةٍ فما أبقيت سالي
رحل الجسد وبقي الذكر الحسن معطرًا بالمحبة لمحمد الإنسان الذي ودعنا إلى رب كريم شمله الله بعفوه ورحمته، رحل والكل يلهج بالدعاء أن يسكنه الله فسيح جناته، اللهم نقه من الخطايا وأغسله بالماء والثلج والبرد وجعل ما أصابه كفارة وطهورًا. عزائي لنفسي وخالتي العزيزة أم صالح ألهمها الله الصبر والسلوان والاحتساب بفقد رفيق دربها والعزاء لكريماته وأبنائه البررة، وفقهم الله إلى بره والإحسان إليه وإلى
إخوته الكرام وأسرة الغفيلي بالوطن الغالي وإلى أهالي الرس بابنهم البار عوضهم
الله خيراً.. وإلى كل محبيه وأصدقائه، ويصدق فيه قول الشاعر:
كأنك من كل النفوس مركب
فأنت إلى كل الأنام حبيب
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إليه رَاجِعونَ}
** **
- الرس