رحيل الوالدين وفقدهما في حياة أي إنسان بلا شك هو قمة الألم والفقد ولا يمكن أن ينسى بسهولة لما للوالدين من دور كبير ومؤثر في حياة الأبناء وما لهما من فضل ومكانة عند بارئ الخلق وموجد الحياة، ولعل فقد الوالدة بالذات أكثر ألماً وحرقة لأن الإنسان يشعر بعد رحيلها أنه فقد معها الضوء الذي كان ينير حياته وأنه فقد أنهاراً من الخير والرحمة والعطاء وهو الشعور الذي غمرني وتملكني وأنا أهاتف من العاصمة الرياض أخي وابن عمي غازي حسين العمراني الحارثي معزياً ومواسياً في وفاة والدته (رضا بنت خليفة بن حمدان العمراني الحارثي) التي انتقلت إلى جوار ربها بعد معاناة طويلة مع المرض فقد كانت رحمها الله غيمة من النقاء والصفاء وعنواناً للصبر والمواقف الجميلة التي لا تنسى لها مع أشقائها وأولادها وبقية الأسرة وكل من عرفها.
لقد عرفت وأدركت منذ أن بلغني الخبر فهاتفتك أخي غازي بمدى فجيعتك بفقد والدتك ومدى شديد ألمك بعد أن فقدت قبلها والدك منذ عشرات السنين، لكنني أعرف مدى إيمانك بقضاء الله واهب الحياة ومقدر الأقدار وإدراكك لتلك الحقيقة التي لا مفر منها بأننا جميعاً راحلون إلى دار البقاء وأن هذه الدنيا دار ممر وليست مستقر، وهو ما تسكن معه النفس وبداخلها الصبر والشعور بالطمأنينة والرضا والقبول بكل ما يجري في هذه الحياة من ابتلاءات ومنغصات ومكدرات ونقص من الأنفس والأموال والأولاد.
إذا قضى الله فاستسلم لقدرته
ما لأمرئ حيلة فيما قضى الله
ورغم شدة ووطأة المرض الذي كان يسري في جسد الفقيدة وصبرها على بلواها فإنني أسأل الله جل في علاه أن يكون ما أصابها من ذلك المرض سبباً بأن يشملها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما أصاب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه)، كما أسأله وقد صعدت روحها الطاهرة إلى بارئها وخالقها ولم يعد بيننا وبينها إلا الدعاء بأن يكرم نزلها ويغفر لها ويرحمها وينظر إليها بعين لطفه وكرمه وأن يكتبها في عداد عباده الصالحين الأبرار ومن الصابرين المحتسبين الأخيار.
وأنا هنا وبهذه السطور لا أرثي الفقيدة وإنما هي كلمة حق ووفاء لإنسانة تركت في الجميع الأثر الطيب بحسن فعالها وطيب معشرها وابتسامتها الصادقة التي لا تفارقها، فرحمها الله بقدر ما أعطت وأسعدت الآخرين وبقدر ما بذلت من جهد لتربية أبنائها وتحملها الكثير من المآسي والهزات في حياتها ورحم الله قبلها أبيها وأمها وشقيقها حسن بن خليفة الذي غادر هو الآخر دنيانا بكل هدوء وسكينة بعد ما كابده من لواعج المرض ولسنين طويلة، والعزاء هنا موصول لشقيقها المربي ومعلم الأجيال الأستاذ حمدان بن خليفة العمراني الحارثي وشقيقته الكريمة وأبنائهم ولكافة أبناء وبنات الفقيدة، داعياً الله أن يجمعنا بهم وبآبائنا وأعمامنا وأجدادنا وأمهات أمهاتنا وكل عزيز علينا في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
** **
- مشعل عيضه الحارثي