د. محمد عبدالله الخازم
الرياضة ليست فوضى كما يتصورها البعض، بل تملك أنظمة متقدمة عالمياً هي الأكثر دقة والتزاماً في كثير من تفاصيلها وتحكمها قيم مكتوبة وغير مكتوبة، تسعى إلى العدالة والمسؤولية والاحترام وغيرها، في ظل مبادئ اللجنة الأولمبية والاتحادات الدولية لمختلف الألعاب. بل الرياضيون يتمتعون بأعلى معايير الحريات في إعلامهم، يكتبون عن بعضهم بعضاً مباشرة ويرفعون أصواتهم في منابرهم كما يشاؤون، في حدود ضوابط عامة تغرم المتجاوز منهم على قيم النزاهة والعدل والاحترام.
لدي معرفة وخبرة مع الاثنين الرياضيين والأكاديميين. وبصفتي أكاديمياً، أو نصف أكاديمي إن كان هناك مجال لتجزأة الألقاب، فإنني أحلم بأن يتوافر لدينا في عالم الأكاديمية ما يتوافر للرياضيين على مستوى العالم. تصوروا أن يتاح لي الحديث والكتابة في الأكاديمية كما كان يتاح لي في مجال الرياضة، فلا يرهبني عميد ولا قلعجي ولا تحجبني شمس ولا قمر. تصوروا أن يكون في وزارتنا غرفة لفض المنازعات نلجأ إليها عندما يسرق أحدهم جهدنا وبحثنا وعندما يتلاعب أحدهم بمحاضر مجالسنا الأكاديمية. تصوروا أن يكون لدينا محكمة كاس أكاديمية عندما تعجزنا الحلول مع وزارتنا الجميلة. تصوروا أن أطالب بمقدم عقد للأكاديمي وأن أدفع نسبة من عقدي الحالي لمؤسستي الأولى مقابل تعليمهم وابتعاثهم لي وصبرهم علي عندما كنت برعماً أكاديمياً.
تصوروا بأن جامعتي ستدفع لي بصفتي أكاديمياً جيداً راتباً أفضل من ذلك الذي (يجرجل) رجليه كل يوم للكلية دون فكر ودون إضافة تجلب الإنتباه. لا أحد يصمني بأنني أكاديمي مغمور، فوفق أعراف الرياضة شهرتي تحضر الصيت والصيت يحضر الإعلان والإعلان يحضر الداعمين والداعمون يحضرون المال. تصوروا بأن تختفي محسوبيات المناصب فيبقى من يثبت نفسه في الميدان وأمام العالم. تصوروا، العكس، أن النادي سيجامل ولد شيخ القبيلة بوضعه رأس حربه وهو لا يتقن أبجديات الكرة، كما نفعل في الأكاديميات. تصوروا وجود قوانين التسلل وشاشات (فار) في كلياتنا، كم واحد سيقبض عليه متسللاً، هارباً من محاضرته أو من اجتماعه أو من معمله؟
في الرياضة لا تستطيع اللعب في لعبتين، إما تختار لعبة الطائرة أو القدم، مثلاً. بل لا تلعب في مستويين، فإما محترف أو هاوٍ، لكن في الأكاديمية لك أن تلعب، مثلاً، في الطب وتقنية المعلومات في نفس الوقت، فتصبح صاحب لعبتين وتخلط الهواية بالاحتراف.
في الرياضة هناك الاحتراف ولك جلب نصف الفريق محترفين عالميين، بينما في الأكاديمية، يسيطر الهواة وعليك الرضى بالمحلي ولو كان أعور وبمن هو أدنى لأنه ليس يدعمك عضو شرف أو وزارة رياضة غنية. في الرياضة اللاعب يطوف أصقاع الأرض دون حواجز، تحضر له الفرق العالمية ويسافر إليها، وفي أكاديميتنا طلابنا ليس لهم سوى العزلة داخل أسوار جامعتهم.
كان بودي القول: يا معشر الأكاديميين، تريدوننا أن نستقل وننافس العالم، امنحونا بعض ما يمنح للرياضيين من قوانين وضوابط وحرية ودعم وحماية ومحاسبة. لكنني تذكرت أنني معاقب دون لجنة انضباط، فما بالنا لو وجدت لجنة، لربما حكمت بشطبي نهائياً وحينها لا جمهور ينفعني ولا شرفي يحميني!