محمد سليمان العنقري
لم تنته فصول المنافسة الشرسة بين أكبر قوتين اقتصاديتين بالعالم أميركا والصين، فالأولى لا تريد فقط المحافظة على مركزها الأول كأكبر اقتصاد عالمي بل تسعى لهذا الهدف بكبح جماح نمو الصين وتوسعها بالتجارة الدولية والتضييق على شركاتها خصوصاً المتخصصة بالتكنولوجيا، ويبدو أنها تحضر ملفاً خاصاً لتحميل الصين مسؤولية تبعات تفشي فيروس كورونا خصوصاً الاقتصادية، ولذلك فإننا نشهد مراحل أولية في فصل سيكون أكثر حدة في هذه المواجهة التاريخية والتي سيكون العالم بعدها منقسماً بين قوتين عظمتين وقد يستمر ذلك لنهاية القرن الحالي أو إلى أن ينكسر أحد الطرفين.
فهذا العام سيخلف أضراراً اقتصادية كبيرة عالمياً رصد لمعالجتها من قبل مجموعة العشرين 11 تريليون دولار أميركي، وستسجل جل الاقتصادات الكبرى انكماشاً باستثناء الصين التي يتوقع أن تحقق نمواً طفيفاً بأقل من 2 بالمائة وهي التي لم ينخفض نموها عن 6 بالمائة منذ قرابة الخمسون عاماً، فأميركا تحديداً سجلت عجزاً بموازنتها غير مسبوق مع نهاية سنتها المالية الشهر الماضي بما يفوق 3 تريليونات دولار بسبب جائحة كورونا أي ضعف ما سجل في عام الأزمة المالية قبل 12 عاماً وبالوقت الذي يتوقع صندوق النقد الدولي أن تحقق الصين نمواً بالعام القادم يفوق 8 بالمائة فإن أميركا سيكون نموها بحدود 3 بالمائة وذلك قياساً بعام 2020 م الاستثنائي بسلبيته على العالم وأميركا تحديداً التي ما زال معدل البطالة فيها مرتفعاً عند قرابة 8 بالمائة بعد أن كان قد قارب 3 بالمائة قبل حدوث أزمة كورونا أي العام 2019 م، ولا يتوقع أن تنخفض البطالة بسهولة بل ستظهر التبعات على المنشآت الصغيرة والمتوسطة بعد أن تنتهي المحفزات التي قدمت لها والتي تضمنت إعانات للعمالة وأسرهم.
فتفاصيل هذه التداعيات ستقود أميركا لزيادة الضغط على الصين ومحاولة التقاط أنفاسها لتعود لنفس المسافة بينهما من حيث فارق القوة الاقتصادية التي كانت قبل تفشي الكورونا مما يعني زيادة وتيرة الضغط على الصين بملفات الحرب التجارية وكذلك تحميلها مسؤولية الخراب الاقتصادي الذي حل بالعالم، ومهما كانت نتائج الانتخابات الأميركية فإن ساكن البيت الأبيض سيكون له نفس التوجهات ضد الصين مع اختلاف الأسلوب فقط، فالحزبين الجمهوري الحاكم حالياً والديمقراطي المنافس له لديهما نفس المخاوف من الصين لأن نظرتهم للأمن القومي وما يهدده واحدة، وهو ما يعني أن مراحل قادمة من فصول هذه المواجهة سنشهدها في النصف الأول من العام القادم بعد أن يؤدي الرئيس الأميركي القسم ليبدأ عمله بالدورة الرئاسية القادمة فلا يبدو لدى الأميركيين متسع من الوقت لكي يصلوا لهدفهم بالحد من نمو الصين وتوسعها الخارجي اقتصادياً وتجارياً.
مرحلة جديدة ينتظرها العالم بساحة الصراع بين أميركا والصين وكل طرف لديه أسلحته وإن كان فائض القوة ما زال لصالح الأميركيين لكن لدى الصين أيضاً أوراق مهمة وحضور دولي واسع ومصالح مشتركة منتشرة في كل جغرافيا العالم فهل ستتفوق أميركا بما لديها من مفاتيح قوة أم ستتغلب الصين بهدوءها وصبرها وامتلاكها لورقة التفوق بالتبادل التجاري مع العالم وكذلك كونها مصنع العالم.