م. خالد إبراهيم الحجي
من الصعب أن نتخيل نموًا اقتصاديًا مستدامًا بدون نمو مستمر ومتزامن للبنوك والإقراض والتمويل، لتخصيص الرؤوس المالية الكبيرة التي تتماشى مع تلك الثروات الجديدة، وموارد المجتمعات المالية المحفوظة، التي تحولها البنوك إلى استثمارات ذات عوائد عالية، وبدون هذه الوظيفة التي تقوم بها البنوك لن ينطلق النمو الاقتصادي.. وتماشياً مع هذه الحقيقة، فإن الأعمال المصرفية والتمويل مهمان: أولاً: لتنمية المملكة العربية السعودية ودفع عجلة التطوير، وصعودها كمركز مالي عالمي كبير، وثانياً لاستقرار المجتمع، لأن وجود بنوك قوية يعني مجتمعا قويا.. والوقوف إلى جانب البنوك والتمويل ودعمهما يعني تبني عمليات التنمية هذه، والمساهمة في الاستقرار الاجتماعي، والدفاع عنهما.. كما أن الوقوف في الجانب الصحيح في النقاش المصرفي العالمي، ومن تبادل وجهات النظر المختلفة يعني الاعتراف من جانبين.
(1): الجانب الأول: الاعتراف بفشل النظام المصرفي الأمريكي في منع حدوث الانهيار المالي عام 2008م الذي ضرب المصارف الرئيسية التسعة الأكبر في الولايات المتحدة بسبب توسعها في الرهن العقاري، وطالت آثار هذا الانهيار المالي العديد من المصارف الأخرى في أنحاء دول العالم، ووصلت إلى حافة الانهيار الذي جعل الحكومة الأمريكية تتحرك بسرعة فائقة، وتنتهك فكرة ومفهوم ومعنى استقلال الكيانات التجارية وتحررها من أية سلطة خارجية، فضخت المبالغ النقدية اللازمة فيها لتمنعها من الانهيار، عدا بنك (ليمان براذرز) الذي انهار فعلاً؛ لأنه بنك خاص وليس مساهمة عامة، وذابت وتبخرت وضاعت من خزائنه ما قيمته 100 مليار دولار من ودائع العملاء والمستثمرين. وحذت حذوها الحكومات الأخرى وضخت مبالغ مالية لمنع مصارفها من الانهيار.
(2): الجانب الآخر: الاعتراف بنجاح الأنظمة المصرفية التي تمتلك فيها الأذرع الاستثمارية الحكومية حصصاً في رؤوس أموال البنوك؛ فوقفت صامدة أمام تسونامي الانهيار، ومنها مصارف المملكة العربية السعودية..
إن كثيراً من البنوك في الصناعة المصرفية المتوسطة تتطلع إما إلى الاستحواذ على بنوك أخرى أو الاستحواذ عليها من قبل بنوك كبرى، مما يساعد على توسعها بسرعة، واكتسابها عدد كبير من العملاء الجدد على الفور. كما يمنح الاستحواذ المزيد من رأس المال للعمل به، عندما يتعلق الأمر بالإقراض والاستثمارات، ويوفر أيضًا بصمة جغرافية أوسع للعمل فيها. وعلى الرغم من أنه ليس عاملاً ظاهراً في الميزانيات العمومية للبنوك، إلا أن كل بنك يستفيد من الاندماج أو الاستحواذ من زيادة المواهب التي تصبح تحت تصرف القيادة المصرفية في الكيان البنكي الجديد. كما يقدم الاستحواذ إمكانية تعزيز فريق المبيعات المصرفي أو تقوية مجموعات كبار المديرين، ولا ينبغي تجاهل دور هذا العنصر البشري أو التقليل من شأنه في ازدهار الكيان المصرفي الجديد.. والبنك الأهلي التجاري ومجموعة سامبا المالية ليس استثناءً؛ ولدى البنك الأهلي التجاري، أكبر البنوك السعودية، القدرة المالية على إنفاق أكثر من 15 مليار دولار في عملية استحواذ ضخمة تمكنه من تعظيم ملاءته المالية، وتنويع خدماته وقاعدة عملائه، في ظل المنافسة الكبيرة التي برزت مع دخول بنوك أجنبية كبيرة في المملكة، والحاجة إلى القدرة المالية الكبيرة على الإقراض والتمويل التي تتطلبها المشاريع الضخمة للتنمية والتطوير وفق الرؤية السعودية الجديدة.. وبناء على ذلك أعلن البنك الأهلي التجاري في يوم الأحد الموافق 11 أكتوبر 2020م عن الاندماج مع مجموعة سامبا المالية؛ لإقامة كيان مصرفي جديد في السعودية في عملية استحواذ مصرفي ضخم، تبلغ قيمة أصولها المجمعة 837 مليار ريال (223 مليار دولار)؛ مما يجعل البنك الأهلي ثالث أكبر بنك في العالم العربي. وعند إتمام الاندماج سيحصل مساهمو مجموعة سامبا على أسهم جديدة في البنك الأهلي التجاري، وفقاً لمعامل المبادلة، والذي بموجبه سيمتلك مساهمو مجموعة سامبا على عدد (0.739 سهما) في البنك الأهلي مقابل كل سهم كانوا يملكونه في مجموعة سامبا.. وسيتم توفير النقص في أسهم البنك الأهلي؛ لإتمام عملية التعويض للمساهمين في مجموعة سامبا، عن طريق زيادة رأس المال المدفوع للبنك الأهلي من 30 مليار ريال إلى 44.78 مليار ريال، وعقب الاندماج سيصبح كبار المساهمين في الكيان المصرفي الجديد هم الأذرع الاستثمارية الحكومية التالية: صندوق الاستثمارات العامة بنسبة37.2 في المئة، ومصلحة معاشات التقاعبنسبة 7.4 في المئة، والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية بنسبة 5.8 في المئة.. وسيترتب على هذا الاندماج استمرار البنك الأهلي في الوجود، أما مجموعة سامبا فستختفي من الوجود.
الخلاصة:
إن البنك الأهلي التجاري سيحتل مكاناً مرموقاً في الخريطة المصرفية للشرق الأوسط والعالم العربي، يشير ويرمز فيها إلى قوة المملكة الاقتصادية ويدل على مكانتها المرموقة في مجموعة العشرين الاقتصادية.