دحام الجفران العنزي
تزخر الحضارة العربية بفنون شتى من العمارة والموسيقى وآلاتها المختلفة والرسوم والنقوش، وقد كانت هذه الآثار فيما يتعلق بالرسوم أكثر وضوحاً وتأثيراً في الجوامع ومباني المساجد القديمة في المجتمع الصيني، فلو أخذنا كمثال مسجد هوايشنغ بمنطقة كانتون الصينية نجد الأسلوب العربي في كل جزء من جوانبه ومئذنته المسماة (برج النور) وهي على شكل اسطواني بديع. حين تطلع على النقش المنصوب تجد تعريفاً صينياً يقول «تحت السحب البيضاء وفي أحضان هذا الجبل يقوم هذا المبنى الديني الذي كأنه صخرة منتصبة ولا مثيل له في أواسط البلاد» كذلك مسجد شنغيو الذي تم بناؤه في العام الثاني من فترة سونغ الشمالية عام 1009 ميلادية في حكم داتشونغ شيانغ فو حيث يتوسطه مدخل مقوس على شكل تويج الزهرة وتنتصب على جوانبه أبراج رمزية وسطحه مسيج بحيطان مزخرفة وسقف القبة منقوش بالازهار والأعشاب وتلك الزخارف العربية ذات الألوان الزاهية. كذلك مساجد أخرى في بكين وغيرها تجمع بين عمارة القصور الصينية التقليدية والعمارة الصينية بحيث يضفي على التركيب الخشبي من المباني الصينية الزخرفة العربية الصاخبة فيتشكل بذلك الطراز الفريد الذي تتميز به العمارة الإسلامية في الصين ويتجلى ذلك في مسجد نيوجيه حيث الرواق المكون من واحد وعشرين عقدا فوق ثمانية عشر عمودا رئيسياً تزدان بالآيات القرآنية ومدائح النبي محمد عليه الصلاة والسلام بالخطوط الكوفية غالباً. الصين وغربي آسيا سبق وأن تبادلا في مجال الفنون والموسيقى قبل الميلاد وفي منتصف القرن العاشر أصبح إسلام الدولة الفرخانية التي تقع في القسم الهام من طريق الحرير قد شهدت ازدهارا في العلوم، فكانت الموسيقى الويغيرية تلتقي بالموسيقى العربية وتقتبس كل منهما من الأخرى في تطوير الألحان أو الآلات الموسيقية. من المعروف أن الحضارة الصينية هي أول من اخترع الحرير لدرجة ان الغرب بعد ذلك أطلق عليها (دولة الحرير) وكما يقول المؤرخون فقد بدأ إنتاج الحرير بكميات كبيرة للتصدير بين القرنين الثاني والثالث وباعتباره رمزا لحضارة الصين، فقد كان من أجمل الهدايا التي تم تقديمها للعرب عبر تلك القوافل التي تمخر عباب الصحراء بأجراسها المجلجلة من شينجيانغ إلى بلاد العرب ثم إلى بقية الأمم. حيث كانت ملابس علية القوم والملوك والطبقات الغنية من الحرير الأحمر المزركش بالخيوط الذهبية وتزدان بتصاميم النسور وأفراخ السنونو بشكل بديع اجمال. العرب بدورهم شهدوا تقدماً في صناعة غزل الحرير ونسجه وقاموا بنقل هذه الصناعة إلى الأندلس وجزيرة صقلية، وكان هذا إثراء للفنون تعلمها الطليان من العرب المسلمين أيضاً حتى أصبحت قاعدة لنقل الحرير إلى أوروبا في منتصف القرن الثاني عشر. تشكل الأواني الخزفية الصينية ثاني أهم المنتوجات ربما في ذلك الوقت بعد الحرير وصناعته حيث يتم تصديرها بكميات هائلة جدا للعرب والمسلمين وتنقل عن طريق البحر غالبا لكونها اواني قابلة للكسر في النهاية مما أدى أن يطلق بعضهم مسمى (طريق الخزف الصيني) على طريق الحرير الصيني. يعود اختراع الحضارة الصينية للفخار إلى آلاف السنين الماضية فهي حضارة متجذرة وضاربة في العمق وتطورت تماما في عهد أسرة جين الغربية وأسرة جين الشرقية وعدة ممالك صينية أخرى. في تاريخ كتبنا العربية نجد ثناء كبيرا من (ابن بطوطة) الرحالة الشهيرعلى الفنون الصينية في صناعة تكرير السكر حيث نقل عنه قوله (ببلاد الصين السكر الكثير مما يضاهي المصري بل ويفضله) وكان الصينيون يستخدمون الرماد النباتي المحتوي على الصودا من أجل تبييض السكر فقد كانت كثير من الأمم بما فيهم العرب لا يعرفون كيفية تصفية السكر وإنما فقط يكثفون عصير قصب السكر بطريقة الغلي المباشر حتى يبرد ثم يحصلون على السكر الأسمر. برأيي وتقديري ان تلك التفاعلات والتبادل الحضاري بين الثقافة الصينية والعربية أرسى للعلاقات العربية الصينية الحالية مما جعل لها أهمية كبيرة بين الطرفين، ومن هنا نستطيع تعميق تلك العلاقات بإثراء كبير من خلال ما نراه اليوم مثلا من حجم التبادل التجاري الكبير بين المملكة العربية السعودية والصين على سبيل المثال لكون السعودية تمثل قلب وأساس العالم العربي والإسلامي حتى أصبحت بكين أكبر شريك تجاري عالمي للرياض. تاريخ كبير وكثير مشترك بين الأمة الصينية والأمة العربية الإسلامية وهناك عشرات الملايين من المسلمين حاليا في الصين يعيشون كمواطنين لهم كامل الحقوق والواجبات ضمن المجتمع الصيني الذي تختلف فيه المذاهب والأديان، وإن كان المعيار هو نفسه في كل دولة وهو المواطنة الصادقة وحب الوطن كما يعيش كثير من الصينيين هنا أيضاً في السعودية والعالم العربي والإسلامي للعمل والتجارة. قرأت الكثير من الكتب في هذا الشأن وأشعر أن هناك الكثير من المشترك بين الثقافتين. أنصح بالاطلاع على الثقافة الصينية وعلاقتنا بها. أشعر بالسعادة وأنا فيبداية الانضمام للجامعات المتخصصة بدراسة هذه اللغة وثقافتها وأشعر أنني كعربي قريب جدا من الصينيين وثقافتهم.