أجده يحمل أشياء لا يمكنني أن أفسرها أو أصل إلى مدلولاتها، قضايا كبرى تمتزج فيها الأحلام مع الحقائق الكونية، كان يدفعه موقف معين في المجتمع إلى مسك قلمه وكتابة نصه، أحياناً أجده غاضباً، وأحياناً أجده يذرف الدموع، دون أن عرف سبب ذلك، كنت أجد سلة المهملات تضج بالأوراق التالفة وفيها أسطر من الكتابة، وعليها آثار التمزيق، كان كثير المعاينة لنصه الأدبي قبل أن ينشره، لا يطفئ مصباح الغرفة! يزعجني ذلك لكني أصبر عليه باستمرار. يختار الليل للكتابة، فترة راحتي، يجد في الليل متنفساً له لممارسة الكتابة، يحمل هموم الناس من حوله، وأحياناً يتكلم لي عن صورة المجتمع الذي يريده -خالياً- من الاستبداد والفوضى والظلم، مجتمع المواطنة الحضارية، مجتمع تسوده الأخلاق واحترام الآخر..
كان يشعر بالاغتراب الوجودي دوماً، الصراحة أقولها لم تكن لدي القدرة على فهم نصوصه الأدبية؛ لأنه يكتب نصاً مغلقاً بالنسبة لي لا أستطيع فك رموزه، لاسيما هو مختص بالبلاغة والنقد الأدبي، من الصعوبة فهم شفرات النص، فنصه ليس في متناول القارئ أو المتلقي العادي، بل من يقرأ نصه يجب أن يكون حاملاً للأدوات المعرفية والأسلوبية والبلاغية؛ لأنه يكتب بتكثيف، ويستعمل أسلوب الترميز، فيحتاج المتلقي إعادة القراءة لعدة مرات ربما يصل لقصيدته، ابتداءً من العناوين وانتهاءً بالنص ككل. يستشعر الموت والخطر في كل لحظة بسبب زخم الحروب التي مرّت على العراق، دائماً كنا نشعر بالخوف من المجهول؛ لأنه كان شعوره بالدرجة الأساس.
كنت لا أنزعج من سفره، لحضور مؤتمر أو ملتقى؛ وذلك تشجيعاً له لتحصيل النجاح والشهرة، وإيصال مشاعره وأحاسيسه إلى الآخر، وأسلوب كتابته التي لطالما قلت له عنها: «خفف من صعوبتها» لكنه يجيب: «لا أستطيع استعمال أساليب مستهلكة في التعبير» ويروي لي مقولة الشاعر العربي الكبير (أبو تمام) عندما سئل: «لماذا تقول ما لا يفهم جاب: «ولماذا لا تفهم ما يقال». يعجبه الشخصيات التراثية؛ إذ عنون الكثير من قصصه بشخصيات تراثية، تمارس مهن مثل: (الحواج/ الوراز/ دريول... إلخ)، كانت تختبئ خلف حروفه أسراراً للنفس الإنسانية بكل أبعادها، كنت أرجو باستمرار أن أكون عنواناً لقصته الجديدة، لكن لحد الآن لم أظفر بذلك، كما بينت العناوين التي يضعها لقصصه مستوحاة من الواقع والتراث إلا أنه وعدني بكتابة نص إبداعي عني حالما تكتمل صورته وأفكاره. في الختام لسان حالي يقول له: أدام الله إبداعك وتألق حروفك، وحفظك ذخراً لنا، وللوطن العربي الكبير.
... ... ...
جهيدة شهاب - (زوجة الأديب مازن موفق الخيرو) - العراق
* * *
سيرة الناقد: د. مازن الخيرو
- الدكتور مازن موفق صديق الخيرو - جامعة الموصل
- مختص في البلاغة والنقد الأدبي، والدراسات القرآنية والفكرية.
- له منشورات في مجلات عربية، ونادي القصة السعودي - السعودية
- عضو الاتحاد الدولي للأدباء
- عضو اللجنة العلمية والاستشارية لمجلة الدراسات التابعة للمركز الديمقراطي العربي - ألمانيا
* من إصداراته:
- الإعجاز البلاغي في الخطاب القرآني
- بلاغة الخطاب ومرايا اللغة
- فاعلية الخطاب التواصلي في الحديث النبوي
- الأطروحات العلمية في الدراسات الإسلامية - مقارنة بين الغرب والعالم الإسلامي.
- من روائع النظم البلاغي في الخطاب القرآني