سهام القحطاني
«يا امرأة تُجسد كل أمجاد العصور السومرية.. بلقيس.. أنا وكل قصائدي من بعض ما صنعت يداك» - نزار قباني -
في حياة كل مبدع امرأة تمنحه الإلهام والمساندة ورمزية الخيال، ترافقه تجربة إبداعه، امرأة تتقاسم معه ملح الألم وسكر الفرح وكعكة الإنجاز، امرأة يظل يتشبث بذراعها ليعبر من خلالها وبها فضاءات الوحي الإبداعي.
لم تكن «بلقيس الراوي» بالنسبة لنزار قباني «زوجة» بل الحبيبة التي منحته السعادة، الملهمة التي منحته طاقات الإبداع، العشيقة التي رافقته تجربة الشعر فكانت «امرأة ليس قبلها قبل وليس بعدها بعد»، صورة لكل النساء اللائي عشن في مدن قصائده، فظلت كما قال «إن الغرابة كلها إني محاط بالنساء.. ولا أرى أحداً سواكِ»
كانت الحب الحقيقي والكامل الذي صنع شاعرية الحرير والدانتيل النزارية.
كانت بلقيس بشخصيتها المختلفة التي فُتن بها نزار قباني هي الوحي الذي شكّل نساء قصائده؛ المرأة القوية والشجاعة والمثقفة والمقاوِمة والمناضلة والجريئة في الحبو المتمردة على القبيلة والثورية على قوانين الرجولة فجميعهن كنا يمثلن بلقيس.
لم تستعمر بلقيس قلب نزار قباني منذ النظرة الأولى، بل أصبحت «قصيدته العظمى والكبرى» التي احتلت فضاء شعره وتحكمت في مصائر قصائده، استعمرت فكره وخياله وإبداعه حتى اللحظات الأخيرة من حياته التي عاشها مع بلقيس الروح والظل والذكريات.
يقول عنها: «أشهد أن لا امرأة استعمرتني مثلما فعلتِ.. تقدر تقول إنها النساء .. إلا أنتِ».
كانت بلقيس منعطفاً وجودياً في حياة نزار قباني، فمنذ أن رآها انقلبت حياته رأساً على عقب وبعد زواجه منها تشكّلت مرحلة جديدة كتب فيها أعظم قصائده التي كانت بلقيس الزوجة والحبيبة والملهمة تقود سحبها لتمطر إبداعًا ورونقًا وبعد مقتلها انقلبت حياته للمرة الثانية رأساً على عقب لتبدأ مرحلة جديدة قادت حياته ومستقبله.
فحياتها ألهمته أعظم قصائد الحب وموتها ألهمه أقوى قصائد الثورة.
بعد رحيلها غابت عن مدن قصائده الأنثى البراقة التي كانت تمنحها الحب والتمرد والفرح، وغلب عليها انكسارات الحِداد وترانيم العزاء، فكان رثاؤها فاتحة زمن الحزن في حياة نزار قباني حتى رحيله» نامي بحفظ الله .. أيتها الجميلة .. فالشعر بعدك مستحيل .. والأنوثة مستحيلة».
قال عنها «كانت بلقيس تمثل كوناً حضارياً بحد ذاته، امرأة من الصعب أن تتكرر، ولا أبالغ إذا قلت هي التي أعطتني لا أنا الذي اعطيتها».