إن أردت أن تكتب سطرا، فاقرأ كتابا، فإن أردت أن تكتب صفحة، فاقرأ مئة كتاب، وهكذا ظلت قضية الكلمة المكتوبة، أمام شقيقتها المقروءة في طردية أظنها لم يعد احتسابها بالصفحات، وإنما بالمحتوى «المعرفي»، لا المعلوماتي فحسب، وهي مع ذلك امتداد مبكر في تراثنا العربي، إلى مسألة دقيقة، تكشف عنها مقولات تراثنا الأدبي، التي تلتقي في مقولة: من ألّف فليقم مبنى، أو ليضف معنى.
مسألة الكتابة قديمة، قدم الحضارة، ومتجددة بتجدد الحضارات، ومركزها القديم الجديد، لا يمثله مخرجات الكتابة، من أجناسياتها المختلفة، كما هو الحال في فنون الكتابة الأدبية، فنونا شعرية، أو سردية، إنما المركز المتجدد يمثله العملية الكتابية نفسها، وارتحالتها، من حضارة إلى أخرى، ومن وسيط إلى ما يليه، لذلك نجد من البداهة العلمية والمعرفية أيضا، أن اللغة «كائن» حي بامتيازات الحياة التي نفهمها، ونعنيها، ونجمع على دلالتها.
مثلا: من منا سيتبادر إليه أسئلة، أو يجد أدنى صعوبة في الحصول على إجابات لا حصر لها عن خطوات الكتابة، وظائفها، أنواعها، سماتها، أهدافها، جمهورها.. ولكن ماذا عن «ماهية» الكتابة ذاتها؟! وماذا يمكن أن نصف الكتابة أثناء كتابتنا، وفي الأثناء التي تكتبنا الكتابة نفسها؟! يقول «جينيقر إيغان»: حين أكتب المسودة الأولى، بشكل خاص، أشعر بأنني نُقلت خارج ذاتي، هذه الحالة التي أسعى إلى تحقيقها دائما»، لذا فهل هذه المقولة تجيب على سؤال: لماذا يكتب إيغان؟ أو أنها تجيب على سؤال: هل حالة انتقال إيغان خارج ذاته حالة من حالات الكتابة أم من حالات الكاتب؟.
أما الكاتبة «سوزان أورلين»، فتقول: «الكتابة الشيء الوحيد الذي فعلته في حياتي، لا أفكر بها باعتبارها مهنة! إنها باختصار: من أكون»؛ لذلك ربما تعددت أسباب الكتابة بتعدد كتابها، ولكن هل تتعدد الكتابة؟! وكيف يمكن اليوم أن نفهم الكتابة؟ وكيف يمكن أن نقيم معها اتصالا نصبح من خلاله قادرين على «التواصل» مع الكتابة نفسها؟
* لكل علم فقه.
** **
- محمد المرزوقي