منذ بداية زواجي، أول ما لاحظت استغراق زوجي بالقراءة والكتابة. ليلة انتقالنا من بيت والدي إلى بيت والد زوجي. انطفأ سراج الغرفة فقلت: «أهه. عوّس.» فقال: «أيش قلتي؟» قلت: «عوّس، يعني انطفأ السراج». فقفز من مكانه وأعاد إشعال السراج، ثم أخذ دفترًا من كوّة في الجدار وكتب فيه شيئاً، ثم عاد إليَّ. أدركت بعدها أن زوجي يستغل كل وقت، خاصة في الليل ليسجّل الأمثال العاميّة والكلمات التي لم يعد الناس يستعملونها لتصدر في كتب تحفظها.
أدركت منذ بداية زواجنا أن زوجي يفهمني ويشعر بي وإن لم أقل له شيئاً فأنا امرأة صموت لا أحب الشكوى، لم يكن لنا نحن الاثنان خاصة إلا سراج واحد يكون عادة عنده يقرأ على نوره، فإذا أرسلني إلى أسفل الدار لكي أحضر له ماءً من القربة كنت أخاف من الظلام. كان يشعر بخوفي. ولذا سارع زوجي المفتون بالتقنية إلى إدخال سلك كهرباء، من ماكينة طامي، فيه سبعة مصابيح وذلك قبل أن تمددّ شبكات الكهرباء في بريدة بأكثر من عشرة أعوام. نور الكهرباء ساعد على استغراقه بالقراءة والكتابة، وسهَّل الأمور عليّ. فزوجي دائماً يقرأ ويكتب. ولكني كنت أعزي نفسي بأن انشغاله عني بالقراءة والكتابة أفضل من انشغاله بامرأة أخرى!
وخلال السنة الأولى من زواجنا دخل بيتنا وافد. دخل حمد، وحمد اسم أطلقوه على الراديو (المذياع). زوجي لم يكن مثل معظم أهل بريدة يرفض الجديد، ويحرّم الراديو. ومع ذلك كان يحترم الناس حوله، ولا يجاهر بما يزعجهم. أطلقوا اسم حمد على الراديو ليتجنبوا الكذب، فإذا سأل والده المسن عن واحد من أولاده الثلاثة قالوا له عند حمد. كان زوجي يقول لي إن الراديو يأتي بأخبار الدول البعيدة مثل لندن وبرلين وباريس. وبعض الناس لا يصدقون بوجود تلك البلدان، يقولون كله كذب لأنهم لم يعرفوا أناسًا سافروا إليها ورأوها رأي العين.
وخلال أولى سنوات زواجنا سافر زوجي بالطائرة لأول مرّة، وركب السفينة لأول مرّة. وهي أشياء كان يرغب تجربتها لأنه يقرأ ويسمع عنها. وكان عندما يعود يحكي لي عن سعادته بكل ما جرّب وشاهد، ويمنيني بالسفر ومشاهدة البلدان البعيدة. ثم أصبح زوجي مديراً لأول معهد علمي في بريدة. وصار يسافر خلال عطل الصيف إلى العراق والشام ومصر ليتعاقد مع مدرسين للمعهد. ومع كل التفاؤل الذي يتمتع به كنت ألمس لديه ضيقًا من الفرق بين الحياة البسيطة في بريدة في ذلك الوقت والحياة في الأمصار بعد كل مرّة يعود فيها من سفر. ولذا، عندما حان انتقالنا من بريدة إلى الرياض لمتابعة أوراق افتتاح الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، ثم انتقالنا إلى المدينة المنورة بعدها بأشهر كنا كلنا سعداء. لم أكن أعلم حينها أن زوجي سيسافر كثيراً إلى الخارج بسبب عمله، وسيكون عليّ أن أتحمّل مسؤوليات تربية الأولاد والبنات.
وبعدها بسنين كثيرة مرضت، فكان زوجي يقول لأبنائنا وبناتنا: «اعتنوا بأمكم فهي التي ربتكم بينما كنت مشغولاً بالسفر وبالتأليف». عندها أدركت أن صبري على سفره، وعدم اعتراضي على الأوقات التي يقضيها في الكتابة والقراءة، وحرصي على متابعة أولادي وبناتي في دراستهم أثمرت خيراً كثيراً.
... ... ...
شريفة محمد العبودي - (ابنة الشيخ العلامة ناصر العبودي) نيابة عن والدتها (نورة العضيب) السعودية
* * *
سيرة الأديب العلامة: محمد العبودي
- الأديب واللغوي والباحث والمؤرخ والجغرافي والنسّابة معالي الشيخ محمد بن ناصر العبودي، ولد عام 1345هـ
- حصل على وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى.
- ميدالية براءة تكريم الأدباء السعوديين.
- شخصية العام الثقافية- الجنادرية.
* من إصداراته:
- نُشر له معجم الأمثال العاميّة في نجد، ثم توالى بعدها نشر كتبه على مدى أكثر من 60 عاماً.
- مؤلفاته تبلغ 340 كتاباً، وأكثر من ذلك، فبعض الكتب تتألف من أجزاء عديدة: معجم الألفاظ العامية (المعجم الكبير)، وكتاب: تكملة المعجم اللغوي في الجزيرة.
- لضخامة كتبه وتعدد مجالاتها تم تصنيفها إلى معاجم وله (55 معجماً) منها: معاجم الأسر، معاجم اللغة، معاجم الحيوان والنبات .