في الحديث عن زوجات الأدباء والمفكرين، لا أدري لماذا تذكرت حكاية المفكر اليساري وعالم الاجتماع الفرنسي لويس التوسير (1918-1990)، الذي طلبت منه زوجته في إحدى المرات وهو في حالة اكتئاب شديد دهن رقبتها بسبب تصلب كانت تعاني منه، فما كان منه إلاَّ أن قام بالمهمة، لكنه ودونما سبب واضح ضغط وبفظاظة على رقبتها الرقيقة لتموت في الحال ليخرج من شقته وهو يهذي «قتلتها.. قتلتها..»، ما يذكرنا بعبارة آرخميدس الشهيرة «وجدتها وجدتها» عند اكتشافه قانون الطفو المعروف والذي فحواه أنّ الماء المُنزاح من خارج المغطس يُعادل في حجمه حجم الجسم المغمُوس في المغطس! صاحبنا «التوسير» انتهى بمصحة عقلية مكث فيها سنوات عدة، لأن التقارير أثبتت أنه كان يعاني من اعتلال نفسي. وقد كانت الحادثة وأظنها عام 1981م فضيحة مدوية لليسار الفرنسي بحكم أن التوسير كان محسوباً عليه كمفكر ماركسي عتيد.
وعلى الجانب الآخر لا يمكن تجاوز الفيلسوف الإغريقي سقراط وزوجته «زانتيب» وسلاطة لسانها وكراهيتها الشديدة للفلسفة التي كانت حرفته التي لم يجد غيرها.
وقد اشتهر سقراط بعدم وسامته بل إنه إلى القبح أقرب مع جمال زوجته. وقد يكون جمالها وقبحه من أسباب بؤسه وتعاسته لأنها كانت تؤنّبه كثيرًا بسبب عدم إجادته لمهنة مدرة للدخل. ويبدو أن اشتغاله بالفلسفة وإغراقه في ذلك هو السبب الذي دفعها لكثرة المشاحنات وسلاطة اللسان. ورغم ذلك فإن سقراط قال يوماً يصف حياته معها: أنا مدين لهذه المرأة فلولاها لما تعلمت أن الحكمة في الصمت، وأن السعادة في النوم.
الرجل مخلوق مسكين يقف محتاراً بين أن يتزوج أو أن يبقى عازبًا وفي كلا الحالتين سيكون نادماً، لكنه وفي مناسبة أخرى قال: تزوّج فإن حصلت على زوجة صالحة فستصبح سعيداً؛ وإن حصلت على زوجة سيئة، فستصبح فيلسوفاً.
وسؤال صديقنا الأستاذ محمد هليل الرويلي، عن زوجات الأدباء والمفكرين عندنا مشروع، بل ومشروع جدًا في ظل ما نسمعه من بعض الكتّاب عندنا وأنهم لولا وجود زوجاتهم بجانبهم لمؤازرتهم وتشجيعهم لما نجحوا في حرفة الأدب ولما كتبوا ما كتبوا. ومع ذلك فإن نسبة ربما معتبرة منهم ومن خلال المقابلات التي تجرى معهم وفي أحاديثهم لا يفصحون عن علاقة زوجاتهم بإبداعهم، وكأنهم حصروا مهمة الزوجة في تهيئة الجو للزوج لكي يبدع ويكتب. بل إنهم قلة من كتبوا سطور إهداء لزوجاتهم في مقدمة كتبهم، وإن تم ذلك فيأتي على استحياء؛ فأسماؤهن ترد ضمن آخرين كالوالدين والأبناء وقد لا نرى أسماءهن صريحة لنجد عبارات مثل: زوجتي أو أُم أبنائي أو «الأهل» عندما يوغلون في محليتهم، مع وجود بالطبع من يصرحون وعلى رؤوس الأشهاد بأسماء زوجاتهم دون مواربة.
معضلة هؤلاء أن أبناءهم قد يجدون صعوبة في مدارسهم إذا عرف أقرانهم أسماء أمهاتهم. وعمومًا فأدباؤنا وكتابنا ليسوا كتلة صماء ومتشابهين؛ بحيث ينكرون دور الزوجة أو الهيام بها، فهناك من ينسفون قاعدة النكران نسفًا، ومنهم على سبيل المثال الشيخ الأديب عبدالله بن أدريس وقصيدته الشهيرة بزوجته التي جاءت بعنوان «أأرحل قبلك أم ترحلين»، وكيف هزت الوسط الأدبي في مجتمعنا عند نشر القصيدة! فقد كانت عملاً غير مسبوق، عبَّر فيها الشيخ عبدالله عن حبه ولواعجه في مجتمع يوصف رجاله بأنهم «ذكور» ويعانون من جفاف عاطفي وأنهم لا يفصحون عن مشاعر حبهم وهيامهم بالزوجة. الأستاذ محمد سيسبر غور هذه المسألة وسنرى ما يؤيد أو يدحض الفرضيات السابقة.
** **
د. خالد عمر الرديعان - أستاذ مشارك - علم اجتماع (جامعة الملك سعود)