تجد المرأة صعوبة حين ترتبط أو تقترن بشخص كان من قبل غريبًا عنها؛ وبات بعد ذلك قريبًا منها؛ فتحاول أن تتأقلم، وأن تحاول سبر أغوار هذه الشخصية من أجل استمرار عجلة الحياة في الدوران، وحتى تصل لبر الأمان الذي تنشده.
فما بالك عندما ترتبط بمبدع فنان، بل وأكثر من ذلك: فهو أيضاً ناقد. إنها قمة الصعوبة. فكل كلمة تنطقها تتطلب أن تكون واضحة ودقيقة، وكل قول بحساب، وكل مفردة بدلالة، وهو أمر يجعل أي مناقشة أو تساؤل إرهاقًا للذهن وللفكر، ويبدو أي كلام على سجيته مثارًا لمشكلات وانتقادات.
وزوجي.. شاعر ومبدع دائم القلق والتفكير، دائم شرود البال، يرى معظم الأمور في صورة غير تلك التي أراها، غالبًا وجهة نظره أعمق وأشمل، على العكس مني تمامًا فأنا أراها ببساطتها وعلى المستوى السطحي المباشر لها، دون التوغل في أعماق كل كلمة وكل نأمة وكل تعبير مثله. لديه كم كبير جدًا من الأحاسيس والمواهب والقدرات، وهو دائم التأمل، دائم الشرود، لديه رغبة قوية ودائمة، وذاكرة تبدو فولاذية في الحديث عن الشعر والاستماع إلى قصائده التي يحفظ كثيرًا جدًا منها: قديمها وجديدها، ويعيد إلقاءها وترديدها بفهم واع بأبعادها، وعمق بمضامينها.
هو متقلب المزاج دومًا، أحيانًا تحلّ به ساعة رضا وسرور، لا يتلبث أن تتحول بعدها إلى ساعة ضيق وتكدّر. وحين اندهش من تقلبه هكذا يقول لي: هكذا طباع الفنان، فهو شخص غير عادي، يقلقه ما قد لا يقلق الآخرين، ويسعده ما قد لا يسعدهم.
أعترف بأنني كنت أجد صعوبة في تقبل هذا التغير الدائم بين الحين والآخر، لكنني بعد ذلك ألفته واعتدت عليه. يتضايق عندما تمرّ به أوقات كثيرة دون أن يبدع شيئًا، وكنت أستحضر مقولة الأديب العالمي نجيب محفوظ: «عندما لا أجد ما أكتبه؛ أشعر كأني ميت».
يقول لي: دائمًا تشغلني حياتي الأكاديمية والأسرية عن الإبداع الشعري والنقدي، فكنت أرد عليه وقتها: إنك مبدع في حياتك الأكاديمية والأسرية على السواء. يدعوني بصفة دائمة إلى القراءة والاطلاع ويطلب مني القيام بتحليل بعض القصائد.
هذا بالنسبة له شاعرًا، أما بالنسبة له ناقدًا، فكثيرة هي الأمور التي نراها في الحياة الدنيا معًا، لكنه لا يحكم عليها إلا من زاوية الناقد المحلل البصير بخباياها، ودائمًا تقاس الأمور عنده بمقياس نسبي، إذ ليس لديه أمر يستحق الحصول على القيمة النهائية أو فصل القول كما يقولون، فهناك دائمًا نسبة متأرجحة دون الاكتمال التام.
لم أستطع أن أقدم له شيئًا أنال عليه منه الـ final mark أو الدرجة النهائية، وعندما أعاتبه فيقول لي: إن ما حصلت عليه ليس بالقليل، وعلى الرغم من كل ذلك فأنا أحمد الله كثيرًا على أن رزقني بزوج مثله، طيب القلب، هو قيمة وقامة عالية، بل جبل عالٍ آوي إليه وقت الشدائد فيمنحني الأمن والأمان.
وكثيرًا ما أتذكر مقولة المفكر والأديب الكبير الأستاذ «عباس العقاد» التي صرح بها في كتابه (عبقرية عمر)ً: هناك شخصيات مثل الباب العملاق يكون الدخول إليه بمفتاح سهل وسلس. ومفتاح زوجي - فيما أتصور - قلبه وشاعريته المفرطة وموهبته اللا محدودة.
... ... ...
د. إيناس الزّيني - (زوجة الأديب منير فوزي) مصر
* * *
سيرة الناقد الشاعر الدكتور منير فوزي
- الأستاذ الدكتور منير عبد المجيد فوزي أبو الحمد.
- مساعد بقسم البلاغة والنقد الأدبي والأدب المقارن, ترقى إلى أن وصل وكيلًا لكلية دار العلوم - جامعة المنيا, يعمل الآن في جامعة الجوف.
- شاعر صدر له ثمانية دواوين شعرية.. فازت بعض دواوينه وأشعاره بعدد من الجوائز المصرية والعربية منها جائزة د. سعاد الصباح عن ديوانه (النساء - الفراشات).
- حصل ديوانه (ليس كمثلها امرأة) على جائزة أحسن ديوان فصحى «الهيئة العامة لقصور الثقافة» بالقاهرة.
* من إصداراته:
- صورة الدم في شعر أمل دنقل
- صورة الطفل في الرواية المصرية
- في تحليل الخطاب الثقافي