الجزيرة الثقافية - علي الزهراني:
محمد سعيد الراشدي اسمُ انغرس في ذاكرة المثقفين خصوصاً حين يكتب نصوصاً ساخرة.
محمد سعيد الراشدي ساردٌ على خريطة القصّة، كاتبٌ بدرجة مبدع، فهو الحاصل على جائزة سوق عكاظ الدولية للسرد العربي، 1438هـ، جائزة أبها الثقافية، فرع القصة القصيرة، عام 1435هـ، جائزة نادي حائل الأدبي للقصة القصيرة عام 1439هـ، جائزة جمعية الثقافة والفنون بالقصيم للقصة القصيرة، 1428هـ، جرى تكريمه من قبل نادي المدينة المنورة الأدبي، والغرفة التجارية بينبع، ضمن الحفل التكريمي لمثقفي محافظة ينبع الحائزين على جوائز ثقافية محلية وعربية 1436هـ. «المجلة الثقافية» سبحت في بحر حروفه، فاستخرجت كل أمواجه المتلاطمة.
في حوار الصراحة والصرامة وعكس تيار السائد..
* يقال إن نون النسوة ينال النصيب الأوفر من سياط الكاتب محمد الراشدي في كتاباته الساخرة، خاصة حين يتعلق الأمر بالمرأة المثقفة وواقعها؛ فما مدى صحة ذلك، وهل ثمة موقف مسبق من المرأة والمرأة المثقفة على وجه التحديد؟
للكتابة الساخرة مباهجها الشحيحة وضرائبها الباهظة، ومثل هذه التهمة إحدى الضرائب الفادحة التي هي نتيجة حتمية لمزيج الرأي السديد والوعي السقيم. وبإيجاز؛ فكتاباتي الساخرة تطال الظواهر لا الشخوص، وليست لدي مواقف مبرمجة سلفاً ضد أو مع جنس بعينه. ولكن دعني أعيد هنا ما قلته سلفاً في سياق الرد على تهم مشابهة؛ المرأة في مجتمعنا المحلي - وبخاصة المثقفة - تنطوي على وعي مأزوم جدا، ومتطرف في حساسيته، ورفضه للنقد، بغض النظر عن موضوعية ذلك النقد أو عدم موضوعيته، وبوضوح أكثر فشريحة مثقفات «الأندومي» ينتظرن حفلات حفاوة وتصفيق لمنجزهن أو ما يتوهمنه منجزًا، وحين يخفت ذلك التصفيق، فلا تفسير إلا عداوة المرأة والمواقف المسبقة!.
* حين نقرأ نصوصك الساخرة نبتسم، ونتساءل؛ هل هذا جنون العظمة، أم جنون الإبداع؟
ريثما يكون لدي ما يبلغ بي جنون العظمة؛ سأظل أتمنى أن يكون ذلك جنون الإبداع.
* بعد جائزة سوق عكاظ لم نقرأ لك جديداً في القصة القصيرة، لماذا؟
بعد جائزة سوق عكاظ التي نالتها مجموعتي القصصية « العقرب»، حقق أحد نصوصي القصصية جائزة نادي حائل الأدبي في العام التالي، وقدمت عددا من الأمسيات القصصية عبر الأندية الأدبية وجمعيات الثقافة، فضلاً عن أوراق عمل نقدية عبر عدد من الملتقيات الثقافية، صحيح أنني أجلت قليلا صدور مجموعتي القصصية الجديدة، لكنها ستصدر قريبا - بمشيئة الله - خلال الأسابيع القادمة، وكذلك سأعيد طباعة المجموعتين القديمتين « احتضاري» و» العقرب» بعد نفادهما.
* هل كان للنشر الإلكتروني عبر مواقع التواصل وغيرها دور في تأجيل وتأخير خروج بعض أعمالك الكتابية مطبوعة في قالب ورقي؟
أتفق معك أن رخاء النشر الإلكتروني، ويسره، وسخاء إمكاناته؛ ينعكس سلباً على النشر الورقي والآثار المطبوعة، لكن في المقابل فهذا منطق اللحظة التقنية، التي تبلغ فيها التكنولوجيا ذروة هيمنتها، وتشرع أبوابا ونوافذ مذهلة، إلى الحد الذي ربما أزهد الكاتب في وسائله ووسائطه القديمة التي كان يتوخى بها الوصول إلى كاتبه، فضلاً عن تعقيدات الطباعة والنشر الورقي التي تجعل مشروع طباعة كتاب على سبيل المثال مجازفة غير محسوبة العواقب!
* لك كتاباتك ومشاركاتك النقدية الرزينة؛ وعلى ضوء ذلك أسألك: كيف ترى موقف بعض الأكاديميين الذين يرون أن النقد حرفتهم وحدهم، ويتوجسون لكل نقد يصدر عن غير أكاديمي؟
لا أقدم نفسي تحت أي تصنيف، سوى أنني رجل تعن له الفكرة فإن استحسنها كتبها وعرضها في القالب الذي يراه مناسباً لها؛ ولأجل ذلك فأنا - بحمد الله- معافى من لوثات الأكاديمية، وأزمات التصنيف الخارج عن معايير الإبداع، أسرد حين يكون المقام مقام سرد، وأنقد حين أشعر أن ثمة فكرة أو عملاً أو موضوعاً جديراً بالنقد وأملك إمكانية الكتابة فيه كتابة مختلفة ومثرية، وأسْخر من هذا وذاك وتلك وأولئك حين تكون السخرية أرجوحة الروح الأخيرة.
وفي النقد على وجه الخصوص لي إصدار مطبوع، وأوراق علمية قدمت في عدد من الملتقيات ونالت صدى مميزاً يحفزني أن تكون مادة إصدار قادم قريب إن شاء الله، وأطمئن أصدقائي الأكاديميين أني لا أنوي قطع أرزاقهم، أو مزاحمتهم في أكل العيش!.
* كيف ترى واقع الملاحق الثقافية في الصحف الورقية المحلية؟
فضاءات النشر الحقيقية اليوم هي الفضاءات الإلكترونية، الملاحق الثقافية الجادة قامت بدور رئيس في الحراك الثقافي في الثمانينيات والتسعينيات الميلادية، وإن كانت تجربة موشومة بكثير من الإقصاء والاستعلاء والشخصنة، لكنها لا تقارن بحال من الأحوال بـ«شقق العزوبية» التي تقدمها بعض الصحف الورقية المحلية اليوم باسم ملاحق ثقافية.
* كانت لك تجربة في الكتابة الأسبوعية عبر إحدى الصحف المحلية الورقية قبل سنوات ثم ابتعدت.. لماذا؟
«لا عادها الله من أيام» !
كتبت في تلك الصحيفة بدعوة منهم، وكان المتفق عليه أن أكتب زاوية أسبوعية ساخرة، وبعد بضعة أشهر اعتذرت عن مواصلة الكتابة وانسحبت غير آسف، بعد أن وجدت نفسي أكتب مع كل مقالة مقالة أخرى بديلة لأن معايير تلك الصحيفة منخفضة ومتوجسة جداً في جهة التعامل مع هامش الحرية المتاح رغم أن الهامش رحب ومتسع في الأساس، لكن التوجس والإفراط في الحذر الذي يبلغ حد الوسوسة يحيلان المساحة كلها خطوطاً حمراء باعثة على الاختناق، ولأجل ذلك اعتذرت وغادرت جهة الآفاق الرحبة.