رغم توقيع غالبية الدول العربية على معاهدة الأمم المتحدة لحماية الطفل في عام 1989، وتشريع كثير من دول المنطقة قوانين مختلفة تصب في حماية الطفل بأشكال مختلفة، أحيانًا تكون صريحة تحت مسمى قانون حماية الطفل، وأحيانًا أخرى تكون تحت مسميات أخرى، مثل قانون الحماية، الذي يشمل قوانين لحماية فئات أخرى من المجتمع، مثل النساء والكبار في السن، فإننا ما زلنا في مرحلة مبكرة لحماية الأطفال في مجتمعاتنا، والحفاظ على حقوق هذه الفئة من المجتمع.
المتابع لشؤون الطفل وحقوقه في المجتمعات العربية يصل إلى استنتاج بأن وضع القوانين عملية مهمة في سبيل حماية الطفل، ولكنها لا تكفي بأي حال. ويواجه تطبيق هذه القوانين - إن وُجدت بصورة واضحة - مصاعب كثيرة، منها عدم وجود الكفاءات الطبية وغير الطبية المدربة للتعرف على الحالات وتقييمها. ومن ثم التعامل معها من نواحٍ طبية، قانونية، نفسية واجتماعية.
يجد العاملون في هذا المجال كثيرًا من الصعوبات لأسباب كثيرة، منها عدم وجود الآليات الواضحة والمفعلة لتطبيق القوانين، إضافة إلى حاجة الجهات التنفيذية إلى تدريب. وينطبق ذلك على الشرطة والمحاكم؛ فهناك حاجة ملحة لحماية سرية الطفل والأسرة والمبلغ، ويشكل ذلك عقبة، ويعرض الضحايا لوصمة اجتماعية كبيرة، خاصة في حالات الاعتداء الجنسي التي تقوم فيها أسر الأطفال الضحايا أحيانًا بالطلب - وحتى تهديد - من الأطباء والعاملين في القطاع الصحي عدم التبليغ عن الاعتداء.
وهناك عقبة أخرى، تتمثل في أن غالبية العاملين بالقطاع الصحي في منطقة الخليج عادة ما يحملون جنسيات مختلفة عن الدولة التي يقيمون فيها. ويميل كثير منهم إلى تجنُّب الإبلاغ عن حالات الإساءة للأطفال لتجنب أي مساءلة قانونية، خاصة عندما لا تكون هناك قوانين واضحة وحازمة لحماية هوية المبلغ، وأخيرًا هناك العادات والتقاليد الاجتماعية التي تتقبل في كثير من الأحيان الضرب كعقوبة من قِبل الأهل والوالدين، الذي يصل في بعض الأحيان إلى التعنيف، ويترك آثارًا جسدية ونفسية بالغة، ولا تأخذ في الاعتبار إفادات الأطفال في التحقيق لصغر سنهم، وتقبُّل إفادة المعتدي كحقيقة ثابتة؛ لأنه في الغالب يكون في سن أكبر وراشدًا.
الدراسات تشير إلى أن غالبية ضحايا الإساءة للأطفال هم من المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة. وهناك بعض الأطفال الذين يعانون من اضطرابات، مثل فرط الحركة ونقص الانتباه.. ويشكل ذلك صعوبات للأسر في التعامل معهم، خاصة عندما لا يتلقون العلاج اللازم. كما أن هناك عوامل أخرى، مثل وجود مشاكل في الأسرة، وتوتر مستمر، أو إدمان للكحول والمخدرات. وقد لا يتم علاج الطفل بسبب جهل الأهل بالأعراض، أو توفر العلاج، وأحيانًا يرفض الأهل زيارة المختصين بسبب الوصمة الاجتماعية، أو أفكار خاطئة عن العلاج النفسي. وينتج من ذلك استمرار معاناة الضحايا، وحصول مضاعفات تؤدي إلى مشاكل اجتماعية وسلوكية في المدارس والمنزل. والنتيجة هي الفشل في الدراسة، ومشاكل أسرية.
وهناك قضايا أخرى تتعلق بالمنطقة العربية، وهي الحروب والمشاكل الأمنية التي يكون الأطفال في كثير من الأحيان ضحاياها الصامتين؛ فيتم تجنيدهم من قِبل الجماعات الإرهابية عن طريق الإنترنت، وقد يتم استغلالهم جنسيًّا، أو قد يقعون ضحايا للاتجار بالبشر.
الدراسات التي أُجريت في الوطن العربي، طبية كانت أو اجتماعية، أكدت وجود إساءة للأطفال بمختلف أشكالها. ويشير ذلك إلى الحاجة الماسة إلى نشر الوعي في مجتمعاتنا، والحاجة إلى تدريب الكوادر في مجال حماية الأطفال، وتثقيف الأهل، والتبليغ عن كل حالات الإساءة؛ لأن عدم التبليغ ينتج منه إفلات المعتدي الذي سيعاود اعتداءه على أطفال آخرين في أماكن وأوقات مختلفة، وحين تسنح الفرصة، كما أثبتت كثير من الدراسات العلمية.
والمحصلة هي عدم توفير الحماية اللازمة، وضياع حقوق الطفل الضحية الذي قد يعاني من أمراض نفسية وطبية بقية عمره، وقد لا يتم علاجه لسبب أو لآخر.
** **
- د. أحمد محمد الألمعي
@almaiahmad