علي الصحن
مستوى البرامج الرياضية المشاهدة في تراجع مستمر، معظم هذه البرامج لم تعد وسيلة بناء، بل أصبحت أداة لنشر التعصب وزيادة وتيرته في الشارع الرياضي، ومن يتصدرون هذه البرامج أصبحوا مجرد محامين عن أنديتهم وعن قضاياها، فيظهرون تناقضاً مخجلاً في الرأي، وتضليلاً للمعلومة، فما كان واجباً بالأمس أصبح مستحيلاً اليوم، وما كان من وجهة نظرهم سهلاً صار في قمة الصعوبة، واللاعب الذي يعدونه عادياً يتحول إلى نجم النجوم، وهذا كله لا يهم من وجهة نظرهم، فالمهم أن يقول رأيه، وإن ضعفت الحجة وخالفت المنطق، لذا فقد انفض الكثير من المشاهدين عن هذه البرامج، وأصبحت المقاطع المتداولة في منصات التواصل الاجتماعي -إما لغرابتها أو تناقضاتها أو مخالفة ما دار فيها للواقع- هي ما يحظى بالمشاهدة والتعليق أو تركيب مقاطع تكشف التناقضات التي لا تنتهي في تلك البرامج.
في بعض البرامج يخرج أحد الضيوف ويكذب في رأي وربما كشفه ضيف آخر أو المذيع أو ناشطو وسائل التواصل الاجتماعي، ويتكرر منه ذلك، ومع ذلك يسمح له بالاستمرار في البرنامج وتقديمه في اليوم التالي، فإننا في الحقيقة أمام برنامج لا يحترم مشاهديه، ولا يضع قيمة للوقت الذي يقتطعونه من يومهم لمشاهدته!!
لقد أصبحنا نشاهد برامج رياضية يتحدث فيها الضيوف عن كل شيء وفي كل شيء.. عن قانون التحكيم، وعن القانون الرياضي، وعن إصابات الملاعب، وعن تكتيكات المدربين، وعن الحكام العالمين وقراراتهم، وعن التقنيات المتطورة، وعن انتخابات الفيفا، وخفايا محكمة الكاس، وفيروس كوفيد19، والإدارة المالية للأندية، وغيرها من القضايا التي تحتاج لمتخصصين مؤهلين للخوض فيها وتشريحها للمشاهد.
بعض البرامج الرياضية تقدم ضيوفاً غير مؤهلين ولا معروفين وتصدرهم على أنهم إعلاميون رياضيون، ويحدث منهم تجاوزات واسعة، كما أنهم يفتون في كل شيء ويتحدثون عن كل شيء، وقد قلت هنا في مقال سابق: إن «واقع الإعلام الرياضي، خاصة المشاهد منه، بحاجة إلى فرز وغربلة وتهيئة وتدريب، ومكونات بعض البرامج الرياضية لا تشي بأن هناك تغييراً سيحدث في المستقبل، وأن القائمين عليها راضون بما وصلت إليه، لذا فإن القرار يجب أن يكون في يد اتحاد الإعلام الرياضي المطالب، ومن خلال مدربين متخصصين ومتمرسين ومهنيين، بتقديم المزيد من الدورات والندوات التدريبية للإعلاميين الرياضيين بوجه عام، وللمشاركين في البرامج المشاهدة بوجه خاص، وأن تكون المشاركة في هذه البرامج وتحقيق الحد الأدنى من متطلباتها، شرطاً للظهور في تلك البرامج، مع ضرورة أن يكون دورات أخرى عن ثقافة الحوار، وأسلوب النقاش، وتحضير المواد المطروحة للنقاش، وتقديم البرامج الرياضية وإعدادها، وزيادة الوعي المهني والإعلامي، وذلك من أجل تقديم إعلام رياضي مميز، وضمان وجود برامج منافسة تحقق نسب مشاهدة عالية «2-6-2020م»، كما أتمنى هنا أن تجرى اختبارات دورية للإعلاميين تكون شرطاً لحصولهم على رخصة مزاولة المهنة والظهور في هذا البرامج الرياضية، تماماً كما يحدث لممارسي مهن أخرى كالطب والهندسة ومكاتب المحاسبة والمراجعة والمحاماة.. إلخ، خاصة لأولئك الذين لم يمارسوا العمل الإعلامي على أصوله، ولم يتدرجوا فيه، ولم يعرفوا سياسيات النشر وما يصح فيه وما لا يصح، ولم يجربوا أن تمر موادهم الإعلامية على (المطبخ الصحفي) فيفرز غثه من سمينه، ويفرق حقه عن باطله، ويقدمه للمتلقي في أبرز صورة، كما لم يمروا يوماً على البرامج المشاهدة (الممنتجة) التي تُراجع وتعدل ويقص منها حتى تكون مناسبة للجميع.
اختبارات الإعلاميين الرياضيين ضرورة يفرضها واقع الإعلام الرياضي حتى يبقى من يستحق وهم كثر، ويخرج من لا يستحق وهم كثر أيضاً.