مها محمد الشريف
حين توثَّقت العلاقات بين الدول كان بدعم من مختلف العوامل التي تربط الدول ببعضها، كالمصالح السياسية والاقتصادية، وذلك للمحافظة على تبادل إيجابي نافع، ولكن بالمقابل نرى أناساً تغربهم آراء عصرهم وبلدانهم ومجتمعاتهم، وماكرون أحدهم رغم أنه رئيس دولة يجب أن يقف على مسافة واحدة من كل أطياف مجتمعه والعالم أيضاً، إذ ظن أنه من الممكن أن يفصّل الإسلام على مقاس علمانية فرنسا، وللأسف اليوم يدافع المرء عن دينه ضد خصم مستنير ويكون هو الحاكم والخصم ذو فكر عنيد متزمت يخالف التعايش في عصرنا وحوار الأديان.
جاء تصريح الرئيس الفرنسي ماكرون عن جهل بالإسلام ولا يعي بأنه منهج حياة وليس نظامًا سياسيًا، وقد صرّح عن الإسلام قائلاً، «إن الإسلام» ديانة تعيش أزمة عميقة كل مكان»، وأرجعها إلى التوترات بين الأصوليين والمشاريع الدينية السياسية، وأضاف أن فرنسا ستتصدى لـس«الانعزالية الإسلامية» التي تسعى لإقامة «نظام مواز» و»إنكار الجمهورية»، في معرض حديثه عن ظاهرة «تحول الأحياء إلى مجتمعات منغلقة».
وسرعان ما انضاف إلى مزيد من العنصرية في بلده ويعتقد أنه يحدد من يكون مسلمًا مناسبًا لتياره الفكري من عدمه، وهذا يضرب النسيج الاجتماعي لفرنسا ويتعدى حقوق الناس في عباداتها، وفقدان اللغة المتناغمة والمكتملة يستبدلها بلغة غليظة يهز ضجيجها الشعوب ويؤلب بعضهم على بعض، لتعود على خطوط العزلة وتصدير الخروج من الحياة المدنية إلى أخرى عنصرية ويفرق بينهم ما يجمعهم.
بذلك ردَّ مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، في بيان، بأن ماكرون «وجه اتهامات باطلة للإسلام لا علاقة لها بصحيح الدين، الذي تدعو شريعته للسماحة والسلام بين جميع البشر، حتى من لا يؤمنون به»، وأن تصريحات الرئيس الفرنسي «تنسف كل الجهود المشتركة للقضاء على العنصرية والتنمر ضد الأديان»، و»تصريحات عنصرية مثل هذه من شأنها أن تؤجج مشاعر ملياري مسلم».
فالواقع كل الالتزامات تفرض أن تكون أكثر واجباته لزومًا، هو أن يسهر على احترام الأديان السماوية والتي يتوكل بها كل البشر وتمثل قاعدة كاملة لسلطانه، ويكون مدينًا لكل القوانين مهما كانت صفته وقوته، فليس من المهارة أن تبث الرعب في جميع الناس بخذلانهم بالتجاوز على دينهم ومنهج قناعتهم في الحياة.
يجب أن نتذكر هنا أن فرنسا تُعتبر من بين أكثر الدول الأوروبيّة التي يتواجد فيها المسلمون بأعداد ملحوظة بشكل كبير؛ حيث إنّ هذا الارتفاع الملحوظ في عدد المسلمين في فرنسا أدى إلى لفت انتباه الكثير من المراقبين المهتمين بحركات الهجرة السُّكانية بين الدول، فهل ماكرون يريد إعلاء شأن صور بديلة وإيقاع جديد لا يتوافق مع العصر؟.
لا شك أننا نرى تداعيات فكر قديم في معالم عصر جديد يكرس لخطاب الكراهية تم إيصاله عبر منبر مرتبط بمهام سياسية وإدارية ليفتح فضاءات عديدة يصعب إغلاقها فيما بعد، خطاب يوجهه إلى عدد من المسلمين يتراوح بين الخمسة إلى ستة ملايين مسلم يعيشون في فرنسا، ولكن العدد الحقيقي أكبر من ذلك، لأن بعض المسلمين في فرنسا ليسوا مسجّلين بشكل رسمي في المؤسسات الحكومية. كما تم إحصاؤهم من وزارة الداخلية الفرنسية على أنّ تعدادهم يصل إلى 4.5 مليون نسمة.
كل الأحداث التي تفرض نفسها لا تستطيع أن تغير الضوء الذي تراه مناسبًا لها، وهذا المطلب يجعل النظر السليم للأشياء سائداً، بحيث يراها المرء في ضوء طبيعي بعيدًا عن السبب والمسبب، له نظرة واقعية للعالم والعدالة والصدق في الأهداف والغايات، ثم يأتي فجأة ودون سابق إنذار رجل في سلطة عليا لدولة عظمى، يحرر أحكامًا وافتراضات وظنون خاطئة تؤدي إلى اضطرابات وانفعالات غير مرضية وغير متوقعة يأخذك إلى جدلية لا تنتهي ويخبرك بأن الجوهر مثقل بالكثير الذي لا يسر.