فضل بن سعد البوعينين
كان لافتاً إطلاق منظمة السياحة العالمية اسم «إطار العلا لتنمية المجتمع الشاملة من خلال السياحة» على الإطار العام في كتاب ممارسات وإطار التنمية السياحية الشاملة للمجتمعات المحلية عالمياً. اعتماد دولي جاء ضمن مخرجات اجتماع وزراء السياحة لمجموعة العشرين، الذي عقد برئاسة السعودية، وركز على أهمية السياحة ودورها في تحقيق تنمية مجتمعية واقتصادية مستدامة وشاملة، من خلال دعم المجتمعات ذات المقومات السياحية العالية.
السياحة أحد أهم القطاعات المحققة لأهداف التنمية الشاملة، ومنها التنمية الاقتصادية، الاجتماعية، المكانية، البشرية، والفكرية الثقافية. تَوافر المقومات الثقافية والسياحية لا يمكن أن يخلق الوجهات السياحية، مالم يرتبط برؤية تنموية حصيفة وإدارة كفؤة قادرة على استثمار تلك المقومات وتحويلها إلى قاطرة تسهم في تحقيق الأهداف التنموية الشاملة المعززة للوجهات الثقافية والسياحية.
استحقت «رؤية العلا» المنبثقة عن رؤية سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، مهندس رؤية 2030، والتي تقوم الهيئة الملكية لمحافظة العلا على تنفيذها، هذا الاعتماد الصادر عن منظمة السياحة العالمية، والمعلن ضمن مخرجات المنتدى الاقتصادي الدولي (G20) والذي تشكل دوله ما يقرب من 80 في المئة من الناتج الاقتصادي العالمي، وتسيطر على ثلاثة أرباع حجم التجارة العالمية، وتضم ثلثي سكان العالم. كتبت العام 2019 مقالة (استشرافية) عنونتها بـ (العُلا... التنمية على قاعدة التراث)، وأحسب أن مضمونها تم تأكيده من قبل وزراء السياحة لدول مجموعة العشرين.
اعتمدت «هيئة العلا» استراتيجية تنموية شاملة للتعامل مع المحافظة بجميع مكوناتها، فعلى الرغم من أن إنشاءها ارتبط بالمحافظة على التراث والإرث الثقافي المتميز، إلا أن استراتيجيتها التنموية كانت أعم وأشمل. لا يمكن لتلك الكنوز والإرث العظيم أن يُبرَز بمعزل عن التنمية الشاملة للمحافظة. فهدف تعزيز مكانة العلا وتحويلها إلى وجهة تراثية وثقافية عالمية يحتاج إلى مقومات تنموية موازية، لذا جاءت رؤية التنمية الشاملة والمستدامة التي خلقتها الهيئة تماشيا مع أهداف رؤية 2030.
وإذا كانت سياحة الثقافة والتراث تشكل قاعدة الاهتمام والهدف الرئيس، فإن التنمية الشاملة هي حاضنتها والأداة التي يمكن من خلالها النهوض وخلق إحدى أهم الوجهات الأثرية والثقافية المهمة وتعزيز مكانتها على خارطة السياحة العالمية.
شرعت الهيئة في تنفيذ خطة طويلة الأمد لتطوير المحافظة وتحقيق التحول المستدام على أسس متينة اعتمدت فيها على الرؤية التنموية الشمولية، والإدارة الديناميكية، والمشاركة المجتمعية التي أعتقد أنها أزالت الكثير من التحديات بعد أن جعلت المجتمع شريكا في مدخلات التنمية ومخرجاتها، ومساهما في عملية التطوير.
الإيمان بحقوق المجتمع فلسفة أجدها محفورة في قلوب منسوبي الهيئة قبل عقولهم، وهو أمر يحسب لهم جميعا، فلا خير في تنمية لا تنعكس على سكان المحافظة المستهدفة بالتطوير. التعليم والتوظيف والصحة قاعدة التنمية البشرية، وهو ما ركزت عليه الهيئة ابتداء حين ابتعثت للخارج ما يقرب من 430 طالباً وطالبة ليشكلوا نواة التوظيف المستقبلي، وفق التخصصات المطلوبة لسوق العمل المحلي، وخلق 2500 وظيفة ضمن برنامج «حماية» والتخطيط لتعزيز القطاع الصحي وفق شراكة حكومية تكاملية. مشاركة أبناء وبنات العلا في هذا المشروع الوطني الضخم يعزز من المكاسب المجتمعية، والأسرية، والانتماء الذي يزداد ترسخا بالاحتواء والمشاركة ويزيل الكثير من التحديات المجتمعية التي يمكن أن تعيق الخطط التنفيذية كما حدث في بعض المشروعات الوطنية الأخرى.
شكلت رؤية «العلا» خارطة طريق لتطوير المحافظة، وعلى الرغم من منهجيتها وأهميتها لتحديد مسارات التنمية والاستثمار في المحافظة، إلا أن اهتمامها بمكونات المجتمع، وتعزيزها للمسؤولية المجتمعية، أعطاها بعدا إنسانيا قائما على الاحتضان والمشاركة المجتمعية لا الإقصاء الذي حدث في بعض الهيئات التنموية. ونكمل بإذن الله.