منصور ماجد الذيابي
كعادتها، ومع كل إعلان أمريكي بعقوبات جديدة، ترتبك إيران، فتنطلق الزوارق البحرية، ويتحرك رتل من العربات العسكرية تجر خلفها صواريخ باليستية في استعراض للقوة العسكرية، ثم الطلب من قيادات عسكرية في الحرس الثوري تلاوة بيانات متلفزة تتضمن التهديد والوعيد لأمريكا والدول المطلة على الخليج العربي. لقد ضاقت إيران ذرعاً بالعقوبات الأمريكية الممنهجة بعد فشل الاتفاق النووي بين إيران ودول 5+1 عام 2015 نتيجة لعدم التزام إيران ببنود الاتفاق، حيث لا زالت تمضي قدماً في تخصيب اليورانيوم وبناء المفاعلات النووية وتهديد أمن الملاحة البحرية في الخليج العربي وبحر العرب، فضلاً عن الاستمرار في تصدير السلاح لدعم المليشيات الإرهابية في اليمن والحشد الشعبي في العراق وحزب الله في لبنان، والاشتراك في العمليات القتالية إلى جانب نظام الأسد في سوريا.
يدرك المجتمع الدولي باستثناء الصين وروسيا وبعض دول أوروبا المستفيدة من الاتفاق النووي بما يفسح المجال أمام شركاتها لإبرام عقود تجارية مع طهران، يدرك أن خطر إيران على السلام العالمي يتمثَّل في الدعم العسكري للجماعات المسلحة في دول الشرق الأوسط من الخليج إلى المحيط لأجل زعزعة الاستقرار في المنطقة أملاً في إجراء تغيير ديموغرافي من خلال وكلاء وعملاء يراهنون على مساندة إيران لهم في الوصول لمفاصل السلطة السياسية في تلك المناطق وبالتالي قيام إيران بشراء الولاءات الوطنية للنظام الحاكم في طهران. وهذا ما تسعى إيران لتحقيقه منذ أمد بعيد رغم تكبد الاقتصاد الإيراني خسائر فادحة جراء مواصلة سياسة التعنت مع الدول الكبرى وصرف مليارات الدولارات لبناء المفاعلات النووية على حساب مشروعات التنمية ورفع مستوى المعيشة للمواطن الإيراني.
لقد أدت العقوبات الأممية وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 وكذلك العقوبات الأمريكية إلى حدوث اضطراب سياسي واقتصادي في إيران إلى الحد الذي أثار غضب الشارع الإيراني ما أدى إلى اندلاع الاحتجاجات في المدن الإيرانية للمطالبة بحقوقه في توفير الأمن الغذائي والخروج من العزلة والانفتاح على دول العالم للمشاركة في كافة المجالات التنموية والتبادل التجاري كما يحدث بين كافة شعوب العالم. لقد أدت سياسة النظام الإيراني إلى فرض عقوبات على أكثر من 27 كياناً من بينها وزارة الدفاع الإيرانية.
فما هو فحوى هذه العقوبات التي بدأ سريان تنفيذها في 20 سبتمبر 2021 وكيف أنهكت النظام وجعلته يتخبط ويرتبك مع كل إعلان عقوبات جديد؟
ذكرت الولايات المتحدة الأمريكية أن العقوبات تتضمن قيوداً مثل حظر مشاركة إيران في الأنشطة المتعلقة بالتخصيب وكذلك حظر اختبار وتطوير إيران للصواريخ الباليستية وإعادة المعالجة ونقل التقنيات النووية والصاروخية إلى إيران. ومن الواضح أن العقوبات الأمريكية تستهدف القطاعات الاقتصادية والمالية والصناعية وعلى رأسها قطاع النفط الذي يعتبر مصدر الدخل الرئيس للعملات الأجنبية الصعبة التي تحتاجها إيران. كما تشمل العقوبات تجارة إيران في الذهب والمعادن الثمينة الأخرى وكذلك مشتريات الحكومة الإيرانية من الدولار الأمريكي. كما تشمل العقوبات كل ما يتعلَّق بالتحويلات المالية والتعاملات المالية لمؤسسات أجنبية مع البنك المركزي الإيراني.
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت في وقت سابق بأنه في حال فشلت الدول الأعضاء في الوفاء بالتزاماتها بتنفيذ هذه العقوبات فإن أمريكا مستعدة لاستخدام سلطاتها المحلية لفرض تبعات على تلك الإخفاقات والتأكد من عدم حصول إيران على فوائد من النشاطات المحظورة.
لقد أصبحت إيران في نظر العالم دولة مارقة لا تحترم الاتفاقيات والمواثيق الدولية باعتبار أنها تسعى لتهديد أمن العالم انطلاقاً من منطقة الشرق الأوسط وذلك من خلال نهجها في إثارة أعمال شغب غوغائية لمليشيات موالية طائفياً وسياسياً لنظام الملالي في طهران. من هنا يسعى النظام الإيراني بالتعاون مع الدويلات الضعيفة والحركات الأيديولوجية المختلفة إلى صناعة أجندات توسعية تقوم على التغلغل في شؤون دول المنطقة العربية لأجل فرض سياستها على الأنظمة والكيانات والحركات التي تدور حول الفلك الإيراني. ونعلم أن إيران تحاول أن تجمع بين القوتين الاقتصادية والعسكرية لفرض أجندتها على الدول التي تعاني من الصراعات الداخلية الطائفية كالعراق واليمن وسوريا.
ولذلك تأتي العقوبات الاقتصادية الأمريكية المتكررة في إطار تطويع الموقف الإيراني والدخول في مفاوضات مباشرة مع أمريكا. وهذا ما جعل العقوبات تشل القدرة الاقتصادية لإيران من خلال تجفيف منابع الدعم المالي عن الأنظمة السياسية والجماعات الإرهابية المتطرفة من ناحية، ومن ناحية أخرى خنق النظام الإيراني بقطع الأكسجين تدريجياً عن الرئة الإيرانية التي ما زالت تنفث أمامنا اليورانيوم وثاني أكسيد الكربون الملوث بأحقاد الثورة الخمينية وأحلام إحياء الإمبراطورية الفارسية البائدة.
لقد أدت العقوبات الصارمة على إيران إلى انهيار الريال الإيراني لمستويات قياسية تبلغ أكثر من 3 % مقابل الدولار ما يعني أن الريال الإيراني فقد أكثر من 49 % من قيمته، إضافة إلى انهيار سوق البورصة واندلاع الاحتجاجات الغاضبة في بعض الأقاليم.
نعلم أن إيران سترضخ في نهاية المطاف للمطالب الأمريكية، وستنهار اقتصادياً كما انهار الاتحاد السوفيتي خلال حقبة حرب النجوم التي انتهت بتقليم مخالب الدب الروسي وتفكيك البلاد إلى جمهوريات عديدة نتيجة لمجاراة الولايات المتحدة الأمريكية في سباق التسلّح وغزو الفضاء على حساب التنمية الاقتصادية وتوظيف الموارد والثروات الطبيعية لأجل الارتقاء بمستوى حياة الإنسان الروسي وليس بهيمنة الاشتراكية السوفيتية على الموارد والثروات والنشاطات الاقتصادية في البلاد.
لذلك يجب أن تفهم حكومة طهران الدرس الروسي جيداً، وتجلس على الطاولة، وتستمع، وتستجيب لمطالب المجتمع الدولي، أو تنتحر وتذهب إلى مزبلة التاريخ.