عبدالرحمن الحبيب
بصفتنا طالبتين سابقتين في الفلسفة، نعلم أنه عندما يتعلق الأمر بتاريخ الفلسفة، فإن النساء لسن مركز الاهتمام. لكن عندما حاولنا العثور على كتاب تمهيدي عن النساء الفلاسفة، صُدمنا حين اكتشفنا أنه لا يوجد إطلاقاً. الاستثناء الوحيد لهذه القاعدة هو «النساء الفلاسفة» الذي كتبته الفيلسوفة الكبيرة البارونة ماري وارنوك منذ أكثر من 22 عامًا.
هذه ما كتبته في مدونة جمعية الفلسفة الأمريكية، ريبيكا بوكستون (طالبة دكتوراه بجامعة أكسفورد) والباحثة ليزا وايتنج اللتان أصدرتا كتاباً جديداً بعنوان The philosopher Queens (الملكات الفيلسوفات).. تؤكدان أنه من الطبيعي أن تكون الكتب عن المرأة في الفلسفة نادرة؛ فبنظرة خاطفة على منهج الفلسفة للبكالوريوس والماجستير ستظهر لك عدد من النماذج التي تركز على أعمال رجال مشاهير مثل أرسطو وأفلاطون وكانط وديكارت وهوبز ولوك وهيوم وروسو ونيتشه ورسل؛ ولكن ماذا عن هيباتيا وأريندت وأولوول ويونغ؟ بالطبع لا أحد تقريباً يعرفهن!
لا شك بأن تعليم الفلسفة يعني الانخراط في أفكار من التاريخ جاء معظمها من الرجال، إلا أن هذه النماذج الرجالية ستجعلك تعتقد أنه لا توجد امرأة في تاريخ الفلسفة على الإطلاق. هذا ليس صحيحاً، كما تقول محررتا الكتاب. بل حتى وقت قريب جدًا، نشر الفيلسوف إيه سي غرايلينج كتابًا عن تاريخ الفلسفة، لم يتضمن أي فيلسوفة في فصوله، عدا مراجعة من ثلاث صفحات ونصف الصفحة عن «الفلسفة النسوية» تذكر امرأة واحدة فقط بالاسم. «لذلك بعد أمسية من التنفيس عن إحباطاتنا بغضب على تويتر ووجدنا أن العديد من الشابات العاملات في الفلسفة يشعرن بنفس الشعور، قررنا أن الوقت قد حان للقيام بشيء ما بأنفسنا»، كما كتبت بوكستون ووايتنج اللتان تذكران أن كتب الفلسفة لا تعكس الدور الفلسفي للمرأة، سواء اليوم أو عبر التاريخ..
تقول المحررتان: من هذا الإحباط جاء هذا الكتاب، حيث طُلب من 21 سيدة (شاملاً محررتي الكتاب) يعملن في مجال الفلسفة كتابة فصل عن امرأة في الفلسفة وتأثيرها على العالم، باعتباره «خطوة أولى نحو سد هذه الفجوة المهمة التي غالبًا ما يتم تجاهلها»؛ وتسليط الضوء على فيلسوفات ومفكرات مفقودات في معظم كتابات هذا الموضوع، بينما كان لأفكارهن تأثير عميق على العالم، لكن في الأغلب غير معترف به..
يطرح الكتاب مجموعة نسائية من مفكري العصور القديمة إلى المعاصرة.. مثل بان جاو، أول مؤرخة في تاريخ الصين القديم؛ كذلك هيباتيا السكندرية (القرن الخامس) أول امرأة في التاريخ يلمع اسمها كعالمة رياضيات، كما برزت في تدريس الفلسفة وعلم الفلك.. وكانت «مشهورة جدًا في أيامها حيث اعتاد السياسيون الذهاب إليها للحصول على المشورة وكانت تُعرف ببساطة باسم» الفيلسوفة».. مروراً بماري أستيل، في القرن السابع عشر التي عرفت كمفكرة نسوية مبكرة.. وإلى أنجيلا ديفيس، ربما الرمز الأكثر شهرة لحركة القوة السوداء الأمريكية؛ وأستاذة الفلسفة عزيزة الهبري (أمريكية من أصل لبناني) التي درست علاقة الشريعة الإسلامية والمساواة بين الجنسين..
وإذا كان أغلب الكتاب يتطرق عن تأثير هؤلاء الفيلسوفات المجهولات في مجالهن، فإنه يتناول أيضًا التحديات التي واجهنها، مع وجود أوجه تشابه كبيرة بين المشكلات المجتمعية في الماضي والحاضر.
تؤكد بوكستون بأن هؤلاء النسوة قد أُخذن على محمل الجد في زمانهن «كأفراد صارمين وذكيين من قبل معاصريهن» وتتساءل: «إذن، لماذا تم نسيانهن؟» ثم تجيب: «عادة ما تكون إجابة الأشخاص الذين لم يدرجوا النساء في حساباتهم بتاريخ الفلسفة هو أنه لم يكن لأي منهن تأثير بدرجة كافية أو أنتجن عملاً عالي الجودة بما يكفي ليتم تضمينه في التاريخ. ومع ذلك، بمجرد أن تعرف القليل عن النساء في الكتاب، يمكنك أن ترى أن بعضهن كان في الواقع معروفًا جدًا في أيامهن». وتستدرك بوكستون بأنه بطبيعة الحال هناك دراسات وإن كانت قليلة حول الفيلسوفات لكنها أكاديمية تستهدف الأكاديميين وليس الجمهور العام؛ والكتاب الحالي يهدف إلى تسليط الضوء لعامة الناس على «الطرق التي لم يحقق بها تاريخ الفلسفة عدالة للمرأة».
وإذا كان ثمة حجة أخرى بأن الكتابة عن الفيلسوفات قد لا يلتفت إليه الجمهور وقد لا يحقق مبيعات تذكر، إلا أن الكتاب حطم حجم الطلب المتوقع في 28 يومًا فقط، مع المبيعات للناشرين الدوليين بخمس لغات مختلفة حسب صحيفة الجاردين.
رغم أن بقية الأوساط الأكاديمية تحتضن وتدعم عمل المرأة، يبدو مع الأسف أن الفلسفة متخلفة عن الركب، فأقل من 30 في المائة من الأكاديميين في الفلسفة بالمملكة المتحدة من النساء، مما يضع موضوعنا وراء اللغة الإنجليزية والقانون والأنثروبولوجيا والكلاسيكيات والتاريخ والسياسة والاقتصاد. بينما لدينا بعض من أعظم النساء في الأوساط الأكاديمية يعملن في الفلسفة لكن يبدو أن تقدمنا ببطء بشكل مثير للقلق (بوكستون ووايتنج).
الكتاب يحتفي بالفيلسوفات المجهولات في التاريخ لأن لدى الكثير من الناس فهمًا «مشوهاً تمامًا» لتاريخ الفلسفة، حسب تعبير بوكستون التي تقول: «من أجل فهم الماضي بشكل صحيح، نحتاج إلى الانتباه لمن تم نسيانه... كان لدى هؤلاء النساء أيضًا أفكار قيمة مذهلة والتي لا تزال تؤثر في الطريقة التي نفكر بها عن العالم اليوم».