د. عيد بن مسعود الجهني
مهنة الطب من أرقى وأهم المهن، إنها من الأساسيات الضرورية لحياة البشر، وكونها أهم وأرقى المهن، فإن الطبيب من أولى الأساسيات التي يبدأ حياته بها أول سنة دراسة له في كليات الطب هو التحلي بالأخلاق والقيم الفاضلة، يتلقى ذلك على يدي أساتذته الأفاضل ولذا نجد أن بعض الأطباء يعملون ليل نهار لمساعدة المرضى بدون مقابل كاف لإعالة أسرهم مثل (أطباء لا حدود).
هذا لأنه يحتل مكانة رفيعة في المجتمع الذي يعيش فيه، وبذا فإن الأمانة عنده وهو يؤدي عمله الإنساني تمثل المعادلة الأساسية في أدائه لمهامه الطبية، لذا فإن أموراً منها الصبر والوضوح مع من يطلب مساعدته الطبية يعد في مقدمة هذه الأمور التي ينتظرها المريض من طبيبه مما يدخل على نفسه الراحة النفسية والاطمئنان والثقة بالطبيب الأمر الذي ينعكس على صحته وعافيته.
وقد اشتهر علماء المسلمين الأوائل في علوم الطب في هذه الصفات النبيلة، واعتمد الغرب في تقدمهم وتطورهم في ميدان الطب على مؤلفاتهم في هذا الميدان المهم وتخلى عنها للأسف العرب والمسلمين.
وفي مقدمة هؤلاء أبو بكر الرازي الذي لقب في عصره أمام الطب، وبلغت مؤلفاته في هذا العلم أكثر من 200 كتاب في الطب والفلسفة، وهو أول من أوجد فروقاً بين النزيف الشرياني والنزيف الوريدي.
وابن سينا الذي لقب في زمانه بأبو الطب، ألف كتاب قانون الطب الذي يعد من أكثر الكتب شمولية لجميع فروع العلوم الطبية.
ولا يتأخر أبو الحسن الطبري عن زملائه فكتابه (فردوس الحكمة) لا يقل أهمية مثلاً عن قانون الطب، أما ابن النفيس فيعد واحداً من أهم رواد علم وظائف الأعضاء في جسم الإنسان إذ إنه أسس نظريات ما زال العلم الحديث يعتمد عليها.
رحمهم الله ورحم الأستاذ الدكتور سعد الراجح أحد علماء الطب في بلادنا الذي اختاره الله لجواره وأسكنه فسيح جناته.
وبهذا المقام فإن الكلمات بحق تعسرت وأنا في مثل هذا الموقف الجلل، أكتب عن الأستاذ الدكتور الراجح رحمه الله، فكل كلمة أكتبها أجدها لا تفي بحق عالم الطب الفاضل الذي اتصف بحسن الخلق الذي نوه به الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن خياركم أحسنكم أخلاقاً) متفق عليه.
ومن صفاته هذا الطبيب البارع الصدق.. الصدق الذي يدعو إليه الدين والعقل والمروءة (فلا سيف كالحق ولا عون كالصدق).
كان رحمه الله خلوقاً متواضعاً ينطقه العلم لا يقول لسانه إلا خيراً!.
والحلم والصبر والأناة والصفات الطبية الأخرى اجتمعت به، وهي من الصفات التي يحبها الله سبحانه وتعالى يدلنا على ذلك قول الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (آل عمران 200)، ويقول عزَّ وجلَّ {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ} (النحل 127).
كما عرف بالحلم والأناة وهما صفتان يحبهما الله ويحبهما الناس، فعن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس (إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة) رواه مسلم، ومن كان حليماً متواضعاً فإن هذا من شأن العقلاء وعنوان الحكماء.
لقد تأثرت كثيراً، كما تأثر كل من عرفه ولكن نراجع النفس ونقول لكل نفس أجل، و{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ}.
عالم الطب الراجح بهذه الصفات كان يغرسها في عقل أبنائه الطلاب، فقد كان أستاذاً جليلاً يسهر على دعم وتشجيع طلابه في البحث والتطوير فتخرج على يديه عديد من طلاب العلم في الطب.
وقد جعل من هذا مكانة خاصة انفرد بها الدكتور الراجح في المجتمع الطبي وهو في قاعات المحاضرات والعيادات في جامعة الملك سعود، وفي العيادات الخاصة بعد التقاعد وبلغ في ذلك المستوى الذي جعل منه علماً بارزاً في علم الطب.
أسأل الله الذي اختاره إلى جواره أن يتقبله بأحسن القبول وأن يرحمه برحمته الواسعة ويدخله وارف جناته، ويلهم أخاه الأستاذ الفاضل عبدالله بن محمد الراجح وابنه الأستاذ الدكتور محمد بن سعد الراجح والدكتورة زوجته وأسرته وذويه ومحبيه الصبر الجميل، ولنحدث النفس بالصبر جميعاً نزولا عند قول الحق تعالى {واصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُور} (لقمان 17)، {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} (الزمر 10).
رغم مرارة الصبر وهول المصاب.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
قال تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي} (الفجر 27، 28، 29، 30).
** **
- رئيس مركز الخليج العربي لدراسات واستشارات الطاقة