خالد بن حمد المالك
في زمن الجحود والنكران، والخروج عن أدبيات الشكر والتقدير لمن كان لهم مواقف إيجابية مؤثرة، كنَّا بانتظار من يظهر على العلن، ويكشف لنا عن الحقائق، ويصحح الأكاذيب، ويعيد الأمور الحقيقية إلى منصات المعرفة والتفاعل، بعيداً عن الأباطيل.
* *
في زمن الجحود هناك من يُحاول طمس الحقائق والافتئات عليها، والإساءة إلى اليد المعطاءة التي أغدقت من غير حساب، وقدَّمت من غير مِنَّة، ووضعت الكثير من إمكاناتها تحت تصرف وفي خدمة قضية شعب كان ولا يزال يستحق المساندة والدعم، بما لا يمكن إنكاره، أو تغييبه عن أنظار وأسماع المنصفين في مجتمعنا وفي العالم، فالحق أبلج وعصيٌّ على ناكري الجميل أن يغيِّبوه.
* *
المملكة قيادةً وشعباً وعلى امتداد سبعين عاماً كانت في الصف الأول، بل في قائمته ممن يدعمون ويساندون حقوق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، والمطالبة بعودة المهجَّرين الفلسطينيين إلى أرضهم وبيوتهم ودولتهم، وتمثَّلت مواقف المملكة بالمشاركة في الحروب ضد إسرائيل برجالها من جنودنا البواسل في القوات المسلحة، وبالدعم المالي السخي، والمواقف السياسية التي كان ولا يزال يتم الإعلان عنها تباعاً على رؤوس الأشهاد.
* *
لكنَّ القيادات الفلسطينية، المنظمات الفلسطينية، المثقفين الفلسطينيين، الإعلاميين الفلسطينيين، وشريحة كبيرة جداً من الشعب الفلسطيني، كانوا يقابلون مواقف المملكة بالشتائم والبذاءات والإساءات والمؤامرات، وتحميلها وِزر مواقف الآخرين، بل وِزر تفريط الفلسطينيين أنفسهم بحقوقهم المشروعة، بما لا يمكن فهمه إلا في حدود أن القيادات الفلسطينية وشريحة من الشعب الفلسطيني بمثقفيه وإعلامييه لا يعنيهم إلا ملء جيوبهم بالمال حتى ولو جاء ذلك على حساب التفريط بالقضية الفلسطينية التي اهتمت بها المملكة أكثر من اهتمام الفلسطينيين أنفسهم بها.
* *
لقد تمَّ تطبيع دولة الإمارات ومملكة البحرين علاقاتهما مع إسرائيل، ولم تكن المملكة ضمنهما، غير أنها لم تسلَم من ألسنة وكتابات عدد من القيادات الفلسطينية، ومن عدد غير قليل من الشعب الفلسطيني، مع أن هذا التطبيع حق سيادي للدولتين، وجاء بعد سنوات من اعتراف الفلسطينيين أنفسهم بالدولة الإسرائيلية، بما لا حق للفلسطينيين أن ينكروا هذا الموقف على البحرين والإمارات ويسمحوا به لأنفسهم.
* *
وحَسَناً فعل الأمير بندر بن سلطان حين ظهر في التوقيت المناسب، ليتحدث بصراحة ووضوح، وبالمستندات الموثقة عما كان مسكوتاً عنه، فقد أصبح كل منا يتحدث دون حذر، ويصرِّح بما كان يخفيه من آراء عن مسار القضية الفلسطينية المظلم، ويبوح بما في خاطره عن أمور كان على قناعة بأنها مؤجلة إلى حين، وها هي تظهر الآن على السطح، وتكشف عن المستور، ويقول كل منا ما لم يقله من قبل، مع شيء كثير من الحزن بما آل إليه الحال في هذه القضية العادلة التي ذهبت الحجة للمطالبة بحقوق الفلسطينيين، وقد لا تعود إلا أن يشاء الله.
* *
لحسن الحظ أن قيادتنا ومسؤولينا وإعلامنا لم ينجرفوا إلى مستوى ما كان عليه الفلسطينيون من تعاطٍ مع التطبيع، ولم يجاروهم في اللغة والأسلوب والأفكار التي عبَّروا بها عن موقفهم من المملكة إثر تطبيع البحرين والإمارات علاقاتهما مع إسرائيل، فقد نأت هذه البلاد -كعادتها- بنفسها عن الدخول في هذا المستنقع الفلسطيني النتن من المهاترات، مكتفية بما قاله شاهد عيان على الأحداث، مُفنِّداً بالوثائق والمستندات ما يدين القيادات الفلسطينية على تفريطها بالحقوق الفلسطينية، وخداعها وتضليلها للشعب الفلسطيني، وتعاونها مع إسرائيل سراً وعلناً، خارج الغرف المغلقة وداخلها، فتباً لكل من فرَّط بحقوق الشعب الفلسطيني، وباع ضميره لإسرائيل.