محمد آل الشيخ
المرشح الديمقراطي جو بايدن يُعَدُّ من معتدلي الحزب الديمقراطي، رغم أنه كان نائب الرئيس باراك أوباما ذي النزعة اليسارية، والذي يكن عداءً عميقًا لكل ما هو عربي، رغم أن والده من أصول إسلامية. بايدن في لقاء تلفزيوني له إبان ما كان يسمى الربيع العربي علَّق عندما سأله المذيع: هل أنت متفائل بالربيع العربي؟.. فأجاب: بل قلق. لذلك فإن كثيرين من المتخصصين في الشأن الأمريكي يذهبون إلى أن جو بايدن ليس نسخة من الرئيس أوباما، وإنما أكثر اعتدالاً منه، فضلاً عن أنه لا يكن للعرب أي كراهية كما كان أوباما. طبعاً من مصلحتنا فوز ترامب بكل تأكيد، لأن توجهاته معروفة وتصب في مصلحتنا، خاصة وأن مواقفه من جمهورية الملالي واضحة وحازمة، وبالذات ما يتعلق بتملكهم القنبلة الذرية، إلا أن فوز بايدن في تقديري لن يكون بذلك السوء، أو أنه سيكون كارثياً كما يطمح مناوئو دول الاعتدال العربي، كما كان عهد الرئيس باراك أوباما المشؤوم؛ أضف إلى ذلك أن إيران خلال عهد الرئيس ترامب أظهرت وجهها القبيح بل والإرهابي، إضافة إلى التوسعي، ما يجعلها فعلاً عنصرًا من عناصر إثارة القلاقل والفتن والإرهاب في المنطقة. وأنا منذ وقت مبكر كنت أعرف أنها دولة كهنوتية لا تمت للمجتمعات المدنية بصلة، ولا يهمها الإنسان قدر اهتمامها بنشر الأيديولوجيا، كما ينص دستورها في إحدى مواده بوضوح. لذلك فقد كنت على يقين أنها لا يمكن أن تتماهى مع عالم اليوم، ولا تستطيع بمنطلقاتها أن تتواكب مع العصر.
كما أن المملكة ومعها دول الاعتدال العربي تُعَدُّ بالموازين العصرية دولاً وازنة، وما كان يتحفظ عليه الديمقراطيون لم يكن اليوم كذلك، ولاسيما أن توجه أغلب دول الاعتدال نحو السلام والتطبيع مع إسرائيل غيَّر مجريات الأمور في المنطقة تغييرًا لا يمكن أن يتجاوزه المرشح بايدن فيما لو تم انتخابه؛ في حين أن ما يمارسه الإيرانيون ضد الأمريكيين في العراق من اعتداءات، إضافة إلى جرائم ذراع إيران الإرهابي (حزب الله)، وبالذات مسؤوليته المباشرة بالانفجار المروع في مرفأ بيروت، لا يمكن ألا يأخذه الرئيس الجديد بالاعتبار.
أما الغول العثماني المتمثل في رجب طيب أردوغان فهو الآن مدان من أغلب دول العالم، وقد تسربت مقولة لبايدن يلوم فيها أردوغان على تنمره، ويطالب بتقليم أظافره. وفي اعتقادي أن خطورة أردوغان ورعونة تصرفاته السياسية جعلت دول أوربا يبدون انزعاجهم منه، ويهددونه علنًا بالعقوبات. وإذا كان من أهم مآخذ بايدن على سياسات ترامب، تخليه عن الحليف الأوربي، وابتعاده عنه، فإن (تحجيم) التنمر التركي، وكبح جماحه، سيكون على رأس أولويات بايدن، وهذا في نهاية المطاف سيصب في مصلحتنا تجاه هذا العدو الذي لا يقل خطورة عن خطر ملالي الفرس الصفويين الذين يحكمون إيران.
ربما ظن كثير من العرب أن الهجمة الشرسة التي تشنها منصات الإعلام الأمريكية على دول الاعتدال العربي، تشي بما ستكون عليه سياسات بايدن فيما لو فاز، غير أن تلك المنابر على اختلاف توجهاتها، كانت تهاجم ترامب، وتشنع به، وليس لدي أدنى شك أن الرئيس بايدن ما أن يدخل البيت الأبيض ستنتهي هذه الحملات، أو أن شراستها على الأقل ستتراجع كثيراً، لأن المقصود كان الرئيس ترامب ولم تكن دول الاعتدال العربي.
والمملكة على وجه الخصوص دولة وازنة، وتربطها بالولايات المتحدة علاقات إستراتيجية قديمة وعريقة، أضف إلى ذلك أنها من دول العشرين، ولا يمكن لأي رئيس أمريكي أن لا يأخذ ذلك بعين الاعتبار، وكل ما يُقال في الحملات الانتخابية لا يعد أن يكون مجرد (لغط)، تمليه في أحايين كثيرة مزايدات انتخابة، ولا يلبث هذا اللغط أن يتلاشى بمجرد أن تضع حملة الانتخابات أوزارها.
إلى اللقاء