بشرى فيصل السباعي
لكل ظاهرة خاصة وعامة أسباب مباشرة وغير مباشرة، واعية ولاواعية، وأيضًا حقيقية أو غير حقيقية تطرح كمبررات ومسوغات للظاهرة تدلس أسبابها الحقيقية سواء عن قصد أو جهل وغير قصد، وبالنسبة لظاهرتي التكفير والتخوين في أي مجتمع وزمان ومكان وعقيدة على مستوى العالم، فهما مثيرتان للقلق دائماً كنذير بوقوع الأسوأ، لأنهما عادة مقدمة لتعرض من يتم وصمهم بها لاضطهاد يجردهم من كل الحرمات والحقوق الإنسانية، ويحلل اقتراف أنواع الانتهاكات بحقهم. فسبب ظاهرتي التكفير والتخوين؛ هو أنه منذ القدم سوغت المنظومة الأخلاقية البدائية معيارين مختلفين للمعاملة، حيث ألزمت الإنسان في تعاملاته مع بني عصبته وانتمائه بأن يكون منضبطًا بالمثاليات العليا لدرجة التضحية، بينما أباحت له اقتراف كل الجرائم بحق من لا ينتمون لعصبته وانتمائه، كالقتل والاغتصاب والسرقة والاضطهاد والعنصرية، سواء بشكل فردي أو جماعي عبر الغزو والحروب، وبرروها بأن زعموا كذباً أن الله أباح لهم التصرف بشكل لاأخلاقي فقط مع من هم ليسوا من عصبتهم، لكن الله استنكر زعمهم هذا {وَمِنْ أهل الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} {وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آباءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء}، ورغم استنكار الله لهذا النمط في القرآن لكن من المسلمين من وقعوا فيه، والنتيجة أن من لديه «نزعات إجرامية معادية للمجتمع Sociopath/antisocial personality- «ويريد اقتراف الجرائم لكنه تربى في ظل ثقافة تقليدية لاواعية تمنع اقتراف الانتهاكات فقط بحق من لهم ذات انتماءاته وتبيحها بحق من هم ليسوا من انتمائه فيجد أن الحل هو أن ينفي عنهم هذا الانتماء بتكفيرهم وتخوينهم، وبهذا يمكنه اقتراف الجرائم بحقهم بضمير مرتاح، حتى وصلوا لأن يذبح الابن والديه ويسرقهم بضمير مرتاح لأنه اعتبر أنهما ليسا من انتمائه بتكفيرهما، وبالمثل اعتبار أن المرأة التي ترتدي لباسًا تقليديًا لا تتعرض للتحرش لأنها تثبت بلباسها أنها من ذات الانتماء الذي للمتحرشين، والتي لا ترتديه أباحت نفسا للتحرش لأنها تثبت أنها ليست من ذات انتمائهم، وهذا حتى لا علاقة له بمدى تغطية الجسد، فمثلاً بالهند اللباس التقليدي للهندوسيات يكشف البطن والظهر وغالب الصدر والذراعين، وبحسب الإحصاءات من يلبسنه لا يتعرضن للتحرش والاغتصاب بقدر تعرض من يرتدين القميص والبنطلون الغربي الذي يغطي كامل الجسد. ويسوغ المتحرشون والمغتصبون جريمتهم بأن من يرتدين اللباس الغربي لا يمثلن الانتماء الحقيقي/ الأخلاقي لنساء الهند وبالتالي التحرش بهن واغتصابهن مبرر. ولذا فمثل هذه الظواهر والجرائم لن تتوقف حتى يصبح هناك معيار أخلاقي عالمي موحد يلزم الإنسان بالتعامل المثالي مع الجميع بغض النظر عن تصنيفاتهم وانتماءاتهم، وللمقارنة؛ ما زال بكثير من دول العالم لا عقاب على الجرائم التي تقع على النساء والصغار من قبل أقاربهم الذكور بينما إن وقعت على الرجال فتترتب عليها عقوبات.