حمّاد بن حامد السالمي
«الطائف وما أدراك ما الطائف. بدأت قرية صغيرة على وادي وجّ قبل آلاف من السنين. ذكرها القرآن الكريم في تلازمة دينية حضارية جغرافية فريدة مع مكة المكرمة في قوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} (31) سورة الزخرف. عَظُم شأنها في عصرها الإسلامي، فانتشر أبناؤها زعماء وقادة وفاتحين في كافة الجهات. شهدت بعد الدولة الأموية ركودًا وجحودً؛ فزويت ونسيت حتى جاء العهد السعودي الزاهر؛ الذي فجّر فيها جمالها وحضارتها وخيراتها ومكانتها السياحية، فهي اليوم مصيف المملكة الأول، وهي أكبر محافظة سعودية بعدد سكان يناهز المليوني نسمة، وبُنىَ إدارية وجغرافية تؤهلها لتكون منطقة إدارية كبيرة.
«ولكن.. ما علاقة الطائف بالشام ولبنان واليمن..؟
«نبدأ من لبنان؛ ذلك أنه لا يمر يوم -بل ساعة- إلا ويذكر اسم الطائف في أخبار لبنان مرتبطًا بـ (اتفاق الطائف).. اتفاق الطائف: (Taif Agreement)؛ هو الاسم الذي تعرف به وثيقة الوفاق الوطني اللبناني، التي وضعت بين الأطراف المتنازعة في لبنان، وذلك بوساطة وضيافة سعودية في 30 أيلول - سبتمبر 1989م في مدينة الطائف، وتم إقراره بقانون بتاريخ 22 تشرين الأول - أكتوبر 1989م، منهيًا الحرب الأهلية اللبنانية التي ظلت مستعرة طيلة خمس عشرة سنة. توقفت الحرب، وظل الاتفاق طيلة ثلاثين سنة في أخذ ورد بين الفرقاء اللبنانيين، دون أخذ بنصه ولا بروحه؛ بعد أن بصموا عليه في الطائف.
«ثم نأتي إلى اليمن في عهديه الملكي والجمهوري. فقد شهدت الطائف معاهدة الطائف التي تمت عام 1934م بين المملكة المتوكلية اليمنية والمملكة العربية السعودية، عقب مفاوضات بين الجانبين، بوساطة المجلس الإسلامي الأعلى. أعلن الاتفاق نهاية الحرب السعودية اليمنية التي اشتعلت في الثلاثينيات من القرن العشرين، وإقامة علاقات سلميّة بين الدولتين. ثم شهدت الطائف في 12 أغسطس 1965م؛ مؤتمرًا للصلح بين مشايخ وزعماء ملكيين وآخرين جمهوريين معارضين للمصريين والسلال، ومنهم النقيب سنان أبو لحوم، والشيخ أحمد علي المطري، والشيخ علي بن ناجي القوسي، والشيخ ناصر علي البخيتي، والعميد مجاهد أبو شوارب، والشيخ أحمد ناصر الذهب، والشيخ نعمان بن قائد بن راجح، والشيخ حسين أحمد القردعي، ومشايخ بيت القيري منهم: الشيخ عبد الولي القيري، وغيرهم من كبار مشايخ الجمهورية ، وخرج المؤتمر بقراراته المعروفة؛ والتي كان منها قرار إنهاء الملكية وإنهاء دولة السلال، وقيام دولة في اليمن تشمل الجميع ماعدا بيت حميد الدين والسلال . ما إن غادر المؤتمرون الطائف ووصلوا إلى صنعاء؛ حتى لحسوا توقيعاتهم، وراحوا يتآمرون على بعضهم..! إن قصة المملكة مع مؤتمرات الصلح والوفاق بين العرب والمسلمين طويلة وشائقة، ومنها تلك التي تمت بين الفرقاء الفلسطينيين أمام الكعبة المشرفة، فما إن عادوا حتى نسوا ما كان بينهم من عهود ووعود، ومثلهم الأفغان وغيرهم. على أن للطائف قصة وفاء وإخاء عظيمة يوم استضافت الشعب الكويتي وحكومته في المنفى بعد الغزو الصدامي للكويت مدة ستة أشهر. هذه قصة تطول.
«كان هذا في العصر الحديث.. أما في عصور خلت؛ فقد ربط بعض المؤرخين بين الطائف واليمن؛ بمسجد قالوا هو للحجاج بن يوسف الثقفي في قريته الكوثر بالصخيرة، وأنه بُني بتربة حمراء يؤتى بها من اليمن..! ثم زادوا وقالوا: إن بهذه القرية حصنًا فيه 40 بيتًا وبئرًا وتنينًا عظيمًا يمنعهم من البناء فيه إلا أن يذبحوا عنده..! والتنين حسب ما هو متعارف عليه كائن أسطوري ذو شكل اسطواني أو شبيه بالزواحف. وهذه كما هو واضح؛ خرافة وأسطورة من نسج خيال المدونين أو آنذاك. وشبيه بها ما نُسج حول سد السّملّقي الحجري على بعد كيلات قليلة من الصخيرة هذه. قالوا: إن الهلالي الذي بنى السد؛ شعر بالغرور، فوقف معتزًا ومغترًا بنفسه وقال مرتجزًا: (بنيناك يا السد السملقي.. بالبر والسمن الأزلقي.. إن شئتِ يا سما امطري.. وإن شئتِ لا تمطري)، ثم إن السماء أمطرت فجأة، فجاء سيل عرم يتقدمه فارس عملاق يحمل سيفًا ويقول للهلالي: (تريده في السد أو في الجبل)..؟ قال: بل في الجبل. فضرب الجبل فانشق، وظل السد كما هو..! والقصد من هذه الأسطورة الخرافية؛ هو تفسير لماذا انشق الجبل وبقي السد كما هو إلى يوم الناس هذا، وهذه حالة تعتري العرب منذ زمن بعيد، وهي محاولة إيجاد تفسير لما هو خارق للعادة. أما ما ثبت بعد ذلك؛ فهو وجود ثلاثة مواقع باسم الطائف في اليمن: في تهامتها، وفي بيت الفقيه، وفي شهارة. لا شك أن حكام اليمن من أبناء الطائف زمن الدولة الأموية؛ هم من سماها تيمنًا بمدينتهم، وسبقهم آخرون من أبناء حضرموت الذين كانوا ضمن جيش عقبة بن نافع في فتح شمالي إفريقيا، أطلقوا على سبتة التونسية اسم حضرموت، وبقيت كذلك عدة قرون.
«أما علاقة الطائف بالشام؛ فهي الأخرى مشوبة بأكثر من رواية أسطورية تناقلها المؤرخون القدامى تقول: بأن الله عز وجل عندما جعل بيته العتيق بمكة في وادٍ غير ذي زرع؛ أمر جبريل عليه السلام الذي اقتطع قطعة من الشام، فحملها وطاف بها حول الكعبة؛ ثم وضعها بجوار مكة، فهي الطائف.. مدينة الزروع والضروع والخيرات الوفيرة، والجمال الطبيعي الأخاذ..! هذه حالة أخرى خارقة للعادة في بقعة من الجزيرة العربية جافة قاحلة، فليس لها من تفسير إذن؛ إلا تغريب الطائف جغرافيًا إلى الشام، وأنه مؤتى بها من بعيد. ولا تغيب عنا حالة أخرى في الوعبة (مقلع طمية) من شمالي الطائف، عندما تحب (طمية) الصخرة الأنثى؛ (قطن) الصخرة الذكر، فيحدث البركان العظيم، الذي فجره حب الجبال والطبيعة في هذه البقعة من العالم..! هذه وتلك غيرها كثير؛ روايات أسطورية لا يسندها عقل ولا نقل، ثم نجد في كل عصر؛ من يصدقها ويروج لها.
«للطائف عبر تاريخها أسماء كثيرة منها: المأنوس، والمأمون، ومنها: مدينة المؤتمرات، ومدينة السلام. والسلام.. لكثرة ما شهدت من لقاءات ومؤتمرات صلح ووفاق بين فرقاء عرب وعجم، أتوها متكارهين متحاربين، ثم عادوا لبلدانهم متحابين متسالمين، إلا من شذّ منهم وانتكس.