«الجزيرة الثقافية» - محمد المرزوقي:
في زمن التحولات التي تعد الكونية فيها مسكنا، ووسائل ووسائط الاتصال فيها لغة للتواصل، وأدوات تربية، وتنشئة، وتعليم، وتثقيف، ومع ما شهده الكتاب الورقي بوصفه وعاء تقليديا، لأشقاء إلكترونيين، وآخرين رقميين، وضعت (المكتبات المنزلية) أمام مفترق قدرة الأسر على توريث القراءة، وتوريث آلاف الكتب، على الرفوف؛ التي استهلت الدكتورة ميساء الخواجا الحديث عن هذه المعادلة بقولها: بدءا يجب ألا يفهم من حديثي عن هذه المفارقة بأنها إدانة ضعف لأحد، أو تقصير أسري، أو تراجع وعي ثقافي، أو تنكر للكتاب، أو قطيعة معه في منازلنا، إذ لا وجود لتعارض بين أوعية القراءة، ومصادرها، ووسائطها المختلفة.
ومضت ميساء في حديثها لـ«المجلة الثقافية» قائلة: في تصوري لا يمكننا توريث القراءة كفرضية، لأن البيئة الأسرية وإن كانت واحدة كما تبدو، إلا أنها مختلفة ومتباينة تبعا لتباين الاهتمامات، وطبيعة كل فرد من أفرادها، وهذا ما تعكسه تجارب الأسر مع استجابة أبنائهم للقراءة، وما يستهوي كل طفل، أو من هم في مرحلة الشباب، أو مراحل التعليم المختلفة، مقارنة، بآبائهم، أو أمهاتهم، أو أشقائهم، لذلك هذا مما تفهمه الأسر، لكن ربما ما لا تتفهمه الأسرة، فكرة وجود الكتاب في البيت، وفكرة طرق تجذب النشء إلى القراءة، فهذا ما أعتقد أنه طرف رئيس في هذه المعادلة، وهو ما يجعل في ظني القراءة «الحرة» غير منتشرة في المنازل، كقراءات ما قبل النوم، أو ما تهديه الأسر من كتب لأطفالها، الذي نستشعر قلته، تبعا لهذه العلاقة بين القراءة والمكتبات المنزلية.
وقالت ميساء: نحن لا نصدر أحكاما على هذه الظاهرة، وإنما أصف ملامحها، وتركيز الأسرة الذي عادة ما ينصب على القراءة للتحصيل العلمي في الكتب المقررة، لذا أعتقد أن الأسرة بحاجة إلى العمل بشكل أكبر، وأكثر جاذبية إلى غرس فكرة القراءة لدى الطفل، مع فهمنا في كل الأحوال لفوارق الاهتمامات، والطبائع، ومن ثم الفارق في الاستجابة الذي يعد أيضا طبيعي الحدوث.
واستدركت ميساء في ختام حديثها، بقولها: ربما تكون المعادلة بين المكتبات المنزلية والاحتفاظ بها بوصفها حاجة، ولو لأحد الأبناء، لذلك فالمكتبات المنزلية الكبيرة، التي تحوي أعدادا ضخمة من المؤلفات، كما هو الحال في مكتبات العلماء، والمهتمين من أساتذة جامعات، وأدباء، ومثقفين، لذلك ربما يتم التبرع بجزء منها، تبعا للاهتمامات، والتخصصات، إلا أن التخلي عن وجودها يشير إلى خلل ما في هذه العلاقة، ومع أنها تفيد الآخرين، إلا أنها تثير الحزن في خلو بعض المنازل التي كانت لعقود عامرة بالكتب، ومع أن البعض يتبرع بها في حياته، من باب الصدقة، وإفادة الآخرين، إلا أنها أيضا تكشف عن إشكالية مع فكرة القراءة ذاتها، حتى مع صاحب المكتبة نفسه، وطبيعة العلاقة التي أنشأها بين مكتبته وبين أفراد أسرته.