فيصل خالد الخديدي
غادرنا قبل أيام الفنان التشكيلي السعودي سعد العبيد - رحمه الله - بعد رحلة من العطاء بحب والعمل الدؤوب في كل الاتجاهات التي تخدم الفن والفنانين من معارض وملتقيات وورش ومحاضرات، تحول معها مسكنه إلى معرض وملتقى للفن والفنانين نحو ستين عاماً من البذل في الحقل الفني.
رحل - رحمه الله - عن عمر يناهز ثمانية وسبعين عاماً عاشها للفن وفي الفن، بدأ أولى محطاته بعد تخرجه من معهد المعلمين وانضمامه للمركز الصيفي الأول في الرياض، ولقائه الأول مع الفنان محمد السليم - رحمه الله - في عام 1383هـ . وكان العبيد - رحمه الله - وفياً لهذا اللقاء وأكثر وفاء للفنان السليم، بل إنه سجل أعظم موقف وفاء في مسيرة الفنون التشكيلية السعودية بتبنيه وإصراره على إتمام مهرجان الوفاء لتكريم الفنان محمد السليم والذي بدأ التنسيق له قبل وفاة السليم وأتممه بعد أن لاقى السليم ربه جمع له الكل وسجل مهرجان وفاء لا ينسى، وتتوالى محطات العبيد - رحمه الله - المشرقة والمضيئة كأعماله، فتحفر في ذاكرة الفن السعودي أعذب وأرق العلامات والتعاملات الإنسانية والتي جعلت منه علامة بارزة في التشكيل السعودي واسماً يجتمع الكل على حبه وذكره بالخير والتقدير، تاركاً خلفه إرثاً كبيراً من محبة الناس لا يقل عن إرثه الفني.
هاتفني الفنان سعد العبيد - رحمه الله - في مطلع شهر ذي الحجة الماضي ودعاني للمشاركة في معرض ينظمه عن اليوم الوطني كما دعا غيري من الفنانين، ولكن المثير في حديثه - رحمه الله - أنه أوضح لي عزمه على إصدار كتاب يحمل الكثير من المعلومات التاريخية الصحيحة والموثقة عن مسيرة الفن في السعودية بالصور والوثائق، وهو ما يعد مرجعاً صحيحاً شفافاً ككتابه الذي أصدره عام 2003 م في سيره ذاتية له تحت عنوان (سعد العبيد ورحلة الأربعين عاماً).
إن العمل الآن على خروج كتاب العبيد الذي قال لي عنه إنه جاهز للطباعة يعد علامة وفاء وحق له على الساحة التشكيلية ومؤسساتها، ومن الظلم أن تحرم الساحة من عطاء هذا الرجل حتى بعد رحيله ، كما حرمت الساحة سابقاً من خروج كتاب للدكتور احمد الغامدي للنور بعد أن كان في لمساته الأخيرة قبل وفاته - رحمه الله -.
ومن الوفاء المستحق للفنان الراحل سعد العبيد تخليد اسمه على أحد المشاريع الحكومية الثقافية الفنية التي تشبه شخصية الفنان المعطاءة.
وبرحيل العبيد - رحمه الله - يستدعي الفنانون أسماء مَن رحلوا عن الساحة التشكيلية المحلية، وهو ما ينكأ كثيراً من الجروح بين جحود وقلة توثيق وضعف وفاء لمن رحلوا، ما يعد ناقوس خطر قادم لضياع كثير من الإرث الفني الذي يمكننا في لحظاتنا الحالية من المحافظة على بعضه بوجود قامات فنية حالياً بيننا عاصرت كثيراً من مراحل البدايات الفن في السعودية، وتعرف كثيراً من تفاصيل التفاصيل فيه التي تستحق التوثيق كما هي طازجة من أفواههم ومن ذواكرهم ومن مقتنياتهم المعلوماتية والصورية التي تستحق أن توثق في متاحف وكتب؛ لتكون شاهدة على مراحل الفن في السعودية من بداياته حتى وقتنا الحاضر.