محمد عبد الرزاق القشعمي
عرفته زميل عمل في إدارة رعاية الشباب التابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية عام 1382هـ، وكان اهتمامه منصرفاً لفن التمثيل الإذاعي، وكانت الإذاعة وقتها تبث برامجها من جدة، وكان بالرياض محطة صغيرة باسم إذاعة (طامي) عبدالله العويد، وكانت تذيع له التمثيليات ومن أشهرها: بدوي في طيارة، وأبو كرشة في الورشة وغيرهما، وعندما يقيم أحد الأندية الرياضية احتفالاً موسمياً بفوزها بالكأس تقيم حفل سمر يكون للهزاع فيه دور تمثيلي. وبعد افتتاح محطة بدء إرسال إذاعة الرياض مساء يوم الأحد الأول من شهر رمضان عام 1383هـ الموافق 3 يناير 1965م. بدأنا نسمع برنامج (يوميات أم حديجان في ليالي رمضان) بعد الإفطار، فكان هو البرنامج المميز، والمتابع من الجميع لما يتضمنه من قصص ومواقف ومعالجة لمشكلات وقضايا اجتماعية داخل الأسرة، وكان لمقدرة الهزاع على تقليد جميع الأصوات وسرعة تتابعها دور مهم في متابعته والحرص على عدم فواته.
بعد سنوات قليلة انتقل عملي إلى المنطقة الشرقية، وانتقل الهزاع لإدارة الفنون الشعبية التابعة للرئاسة العامة لرعاية الشباب فيما بعد لكونها الأقرب لاهتماماته.. وبعد سنوات تقاعدت عن العمل وتعاقدت مع مكتبة الملك فهد الوطنية في الرياض، وبدأت تسجيل التاريخ الشفهي للمملكة فدعوته لزيارة المكتبة والتسجيل معه أهم المواقف والمحطات في حياته، وتجاوب مشكوراً، وكان اللقاء بتاريخ 22 - 8 - 1418هـ وعلى مدى خمس ساعات بدأ يروي سيرته قائلاً: إن والده هزاع المعلق الهزاع قدم من البادية واستقر في عنيزة وأنه ولد بها عام 1348هـ، وفقد والدته في الثالثة من عمره. وتبعها والده بعد خمس سنوات، فذاق اليتم المبكر بمرارته وآلامه فقيض الله له رجلاً شهماً كريماً هو عبدالعزيز الكغيل الذي اعتبره أحد أولاده، فأدخله كُتَّابْ (ضعيف الله) عبد العزيز الدامغ، ثم التحق بأول مدرسة نظامية 1365هـ لم يكمل بها دراسته لشقاوة الأطفال مما اضطره للسفر إلى الجبيل وهو في العاشرة من عمره، فعمل صبياً ينقل إنتاج المزرعة إلى السوق.
عاد للرياض، وبحث عن عمل، ولكنه اهتدى إلى الالتحاق بمدرسة دار الأيتام عام 1370هـ ولوجود نقص في الغذاء واللباس فقد اتفق مع زملائه على الذهاب لشكوى المسؤول عن الدار لولي العهد -الملك سعود فيما بعد-، وفعلاً عوقب المسؤول وتحسن وضعهم، وبقي حتى حصل على شهادة السنة الخامسة الابتدائية، فتعرض لآلام لا تتناسب وجو الرياض فنصح بالذهاب إلى منطقة ساحلية، ولهذا عاد للجبيل مرة أخرى، ومنها إلى رأس تنورة فعمل خادماً في سكن العمال التابعين للدولة، فيقول إن أحد أبناء البادية جاء يسأل عن أمير البلدة، وكان إلى جوار أحدهم نافذة مغلقة بزجاج، فدعاه ليريه من خلالها الطريق إلى مقر الإمارة فما كان منه إلا أن قفز مع النافذة فتحطم الزجاج دون أن يشعر بوجوده، فكان منظره مثيراً للضحك ولهجته المميزة، مما حمل الهزاع على تقليده بصوته ولهجته، مما أعجب زملاءه فشجعه ذلك على تقليد الأصوات حتى أصبح لديه عدد منها.
بعد سنتين عاد للجبيل مرة ثالثة ليعمل مدرساً في المدرسة السعودية عام 1373هـ، فصادف زيارة الملك سعود للجبيل عند توليه الحكم فأقام له الأهالي حفل استقبال تتخلله الكلمات والقصائد فطلبوا من الهزاع المشاركة في تمثيلية ففكر في تقديم (بدوي في الطيارة) مما أعجب بها الملك فأمر له بجائزة وطلب تسجيل التمثيلية فأخذها الملك معه ليسمعها عائلته التي كانت ترافقه في سكن الشركة. فدعاه الملك في اليوم التالي ليؤدي التمثيلية، وصحبه في جولة في الحدود الشمالية من المملكة للمبايعة.
وبعد أن استهلك شخصيتي (بربيخ ومتيخ) في بدوي في طيارة. أراد أن يقلد بعض مرافقي الملك (حديجان ومريبض) فوجد إعجاباً شجعه على الاستمرار. فذهب في العام التالي إلى الكويت ليعمل جندياً في الجيش الكويتي، وأثناء ذلك كان أحد المحتالين قد افتتح مكتباً وهمياً في الرياض باسم الشركة العربية وأعلن عن حاجته إلى عمال وسيارات مدعياً أن هناك مشروعاً تحت الإنشاء وأن على كل عامل وصاحب سيارة دفع مبلغ ثلاثة آلاف ريال كرسم تسجيل وأجرة سيارته قدرها ثمانون ريال يومياً من تاريخ التسجيل، وبعد أن جمع مبلغاً كبيراً من المال أرسل العمال والسيارات إلى الصحراء (التوضحية) بالدهناء فاختفى، فذهب من اشتكى لأمير الرياض، فكلف بمن يبحث عنه، وعممت أوصافه فكان وصفه يشبه الهزاع فقبض عليه وأودع السجن بالرياض، وبعد شهرين طلب الأمير سلمان إحضار المتهم فوجده الممثل الهزاع فأخلى سبيله، فعاد مدرساً في المدرسة الفيصلية بعنيزة وحصل على الشهادة الابتدائية بالانتساب. انتقل عمله إلى الحرس الملكي، وأثناء زيارة ملك العراق فيصل للمملكة طلب الملك سعود من الهزاع أن يمثل (بدوي في طيارة) أمام الضيف ولكن خلف الستائر. وبعد أن عرف ملك العراق أن هذه الأدوار كلها يؤديها شخص واحد طلب تسجيلها له، وبعد عودته أسمع أسرته التسجيل فلم يصدقوا فطلب ملك العراق من الملك سعود أن يسمح للهزاع بزيارتهم، وفعلاً زارهم وقام بالتمثيل أمام عائلة الملك وسجلها في الإذاعة وعندما علموا أن شخصاً يقوم بجميع أدوار الممثلين لم يصدقوا حتى يروه من خلال التلفزيون المفتتح حديثاً، وفعلاً عرض التمثيلية بالتلفزيون وعند خروجه من المبنى وجد عدداً كبيراً من المعجبين يطلبون توقيعه على (الأوتوغراف).
بدأ عمله برعاية الشباب، ومع ضعف نظره فقد سافر إلى القاهرة وبيروت وايران وإسبانيا وإيطاليا ولندن وكلها بحثاً عن العلاج ومع ذلك بدأ نظره يضعف حتى فقده نهائياً.
بعد أربعين سنة أمضاها في التمثيل الإذاعي طلب الاعتزال، وذلك لأسباب أهمها الانتقاد الذي بدأ يتعرض له من البعض بسبب التطرف والغلو باسم الدين، وحتى أهل بيته وأولاده أصبحوا يتضجرون عندما يدعون باسم والدهم الفني (أولاد أم حديجان)، مما سبب له كثيراً من الإزعاج والألم، فعاش حياة قلقة ومضطربة بين أن يستمر بتأدية رسالته الاجتماعية في التوعية والتنوير، وبين الاحتفاظ بتماسك الأسرة التي بدأ البعض بمضايقتهم وانتقادهم، حتى أنه فكر في أن يعيش بمفرده بعيداً عن هذا الجو الملوث.
ومع ذلك لم ينسه المجتمع والمسؤولون فقد تنادوا لتكريمه وتقدير دوره الاجتماعي الرائد بنذر وقته وجهده لمعالجة ومكافحة آفات المجتمع وسلبياته، فقد كتب كثيراً من الأدباء ورجال الصحافة مقدرين جهده وطالبين منه الاستمرار بأداء رسالته مع تكريمه وإعطائه ما يستحق من تقدير ومؤازرة. فقد كتب الدكتور عبدالرحمن الشبيلي عضو مجلس الشورى- بجريدة الجزيرة في 12 - 7 - 1417هـ تحت عنوان: (الهزاع مدرسة الإبداع) قال إنه لا ينبغي للهزاع أن يتوقف أو أن يعتزل طالما أنه قادر على الإبداع والعطاء، ويجب أن تذلل له كل العقبات إن وجدت لتوفير الأسباب التي تجعله يحقق المزيد، فهو صاحب مدرسة فنية محافظة رصينة، وله قاعدة اجتماعية واسعة، وهو يسد فراغاً كبيراً في البرامج المحلية الترفيهية والتوجيهية بالإذاعة التي أصبح أحد رموزها.. وطالب بتكريمه.. وأنه ليس ملكاً لنفسه، بل لجمهوره.. الخ.
وعندما كرمته جمعية الثقافة والفنون قال معالي الدكتور عبدالعزيز الخويطر: الحقيقة هذه ليلة لا تنسى لأنها أظهرت التلاحم والحميمية الجميلة بين الملقي والمتلقي، فالهزاع معروف بأنه مؤسس لهذا الفن الذي لم يأت من الخارج، وهو الذي ابتكر اتجاهه كفنان في مجتمعه، وقد مثل المجتمع السعودي بكل طبقاته، وهذا لم يكن ليأتي إلا من رجل مثقف وقادر ونبيه.
وكتب عنه الشيخ عثمان الصالح، وعبدالرحمن السدحان، وعثمان الرواف، وعبدالله عمر خياط، وعبدالعزيز الذكير، وحمد الدعيج، وعبدالله القرعاوي، وحسن بن سعيد، ومحمد الحميد، وماضي الماضي، والجوهرة العنقري، وإبراهيم العواجي، وسليمان الشريف، والفنانين من زملائه عبدالله المزيني، وعلي إبراهيم، وناصر القصبي، وراشد الشمراني، وأحمد الهذيل، وعبد الرحمن الحمد، وإبراهيم الحمدان، وعبدالرحمن الرقراق، وعلي المدفع، ومحمد الكنهل، ومحمد المنصور، وهدى الحوشاني، وصالح الزير، وغيرهم.
وجمع الأستاذ والمربي إبراهيم بن محمد السبيل هذه الكلمات وغيرها بكتاب أعده عن الهزاع بعنوان: (عبدالعزيز الهزاع.. جماعة في رجل) طبعته مؤسسة الجزيرة للصحافة والنشر عام 1419هـ، 1998م وجعل ريعه لمركز الأمير سلمان الاجتماعي. والكتاب تناول بالإضافة لما قيل عنه سيرة موجزة لمسيرته العلمية والعملية وبعض الصور الجماعية وشهادات التقدير التي حصل عليها طوال مسيرته الفنية.
قال في رسالة وجهها لي مستكملاً حديثه الشفهي، أن مجموع ما أدخل في مكتبة الإذاعة ما يقارب 15000 خمسة عشر ألف حلقة كلها تتناول مواضيع اجتماعية، وهي من تأليفه وإخراج عبدالرحمن المقرن وحمد الصغير.
وقال الأستاذ إبراهيم السبيل في ختام حديثه عن الاعتزال: «.. لقد كان الهزاع خلال الفترة التي أعقبت إعلان قرار الاعتزال يواجه ضغوطاً ومناشدات من مختلف فئات المجتمع تدعوه إلى العودة عن قراره ومواصلة عطائه، كما توالت على أثر ذلك دعوات الصحافة والكُتاَّب مؤيدة ومطالبة بعدم الاعتزال، واحتاج الأمر إلى ما يقرب من عام حتى يتمكن الأستاذ الهزاع من تطويع ظروفه والاستجابة لتلك الدعوات للعودة إلى فنه الذي أحبه وعشقه مع شيء من التطوير، وقصره على معالجات معينة بحيث تتناسب مع ظروفه وصحته ومكانته».
o ترجم له في (موسوعة الشخصيات السعودية) لمؤسسة عكاظ للصحافة والنشر، «ولد بعنيزة عام 1348هـ 1929م، تلقى تعليمه الابتدائي بها، بدأ حياته الفنية في الكويت حينما قدم البرنامج الدرامي (الجندي) 1956م، أول عمل عرف به كان بعنوان (بدوي في طيارة) ثم عمل بالإذاعة وكان من طليعة الذين أسهموا بأعمال درامية مع بداية دخول الإرسال التلفزيوني للمملكة له ستة آلاف تمثيلية (اجتماعية) تربوية، نفسية وألفي منولوج قدمها للإذاعة والتلفزيون على مدى 40 عاماً، من برامجه الدرامية للإذاعة: أم حديجان، وسع صدرك، زين وشين. أعلن اعتزاله العمل الفني في مطلع 1416هـ بعد عطاء استمر 45 عاماً، ثم تراجع عن قرار اعتزاله في 1418هـ 1997م .» ط2، ج2، ص1038 .
o قالت عنه سارة الجهني في مجلة اليمامة (23 مايو 2019م) «التصق لقب (جماعة في رجل) بالممثل السعودي الهزاع، فما إن يذكر هذا القلب حتى ينصرف ذهن المشاهد السعودي إلى الهزاع فوراً.
ذلك الممثل الذي أجاد تقديم موهبته بطابع فكاهي فريد من خلال إطار شعبي مكنه من لمس قلوب أفراد مجتمعه السعودي كافة.. وقالت: إن الهزاع قد ذهب لقصر الحكم للسلام على الأمير سلمان مع غيره، وجاء دوره فعرفه بنفسه (عبد العزيز الهزاع، فرد عليه الأمير: لا، أنت أم حديجان، ثم أمر أحد الخويا أن يذهب به إلى الأحوال المدنية لتغيير اسمه إلى أم حديجان) ولم ينقذه من هذا الموقف إلا تدخل الآخرين لإقناع الخوي بأن سمو الأمير يمزح معه.
o وقال رئيس نادي جازان الأدبي أحمد الحربي: «.. ونحن من جيل بدأ حياته الرمضانية في القرية بلا كهرباء ولا وسائل ترفيه فلم نكن نتابع سوى الإذاعة التي تمتعنا ببرامجها الجميلة ومنها ما رسخ في الذاكرة منذ أيام الطفولة والشباب حتى اليوم كالبرنامج الفكاهي (يوميات أم حديجان) فهو مسلسل يومي وكان موعده بعد صلاة المغرب مباشرة.. « الخ.
o وقال الكاتب محمد العرفج: «يعد الفنان عبدالعزيز الهزاع ظاهرة فنية وثقافية واجتماعية توهجت في إثراء مسامع المتلقين أجيال متعاقبة، فقد عرفته عن طريق والدي اللذين تفصل عني وعنهما قرابة أربعة أجيال وهما يتحدثان عن مساهمة الهزاع في رسالته الفنية للمجتمع..».