د. صالح بن سعد اللحيدان
يُشكّل التاريخ السبيل البيّن لمعرفة سير وأخبار من سلف من سائر الأمم، وأخبار الحالات وتراجم الرجال والأماكن، وهو ذو نفع جيد لمن قرأه للاعتبار والتجربة وتهذيب الطباع والوقوف على الخطأ والصواب / الحق والباطل/ الخير والشر / الحيف والإنصاف / المكر والصدق والوضوح.
وليس كل ما يكتبه المؤرخون يكون ضربة لازب وصدقًا وحقًّا, لكن هناك اعتبارات جليلة المقام، لا بد منها، لا بد ذلك حتى يكون ما يكتبه المؤرخ حقيقة كرأي العين.
وسوف أُجمل هذه الاعتبارات بشيء من رصف قليل، وهي اعتبارات ضرورية؛ لئلا يكون هناك لعب على العقل بوجه ما من الوجوه.
فمن هذه العبارات:
1/ صدق وتجرد المؤرخ.
2/ تأنيه ومعاودته وتطبيقه.
3/ قوة وثبات السند.
وهذه النقطة بالذات خلا منها معظم كتب التاريخ؛ فهم يسردون سردًا، ويروون رواية دون تحقق أمين جيد، أو وصل يوصل إلا المتن أو الخبر أو الرواية أو الواقعة. من أجل ذلك يقع كثير من القراء حتى جلة من العلماء وكبار الأدباء والكتّاب في تصديق ما ترويه كثير من كتب التاريخ.
وهذا يعود في أصله جزمًا إلى الجهل بأمر جلل، لا بد منه، هو: السند؛ فالسند أصل مهم في بابه دون نكير. ولولا السند لقال من شاء ما شاء. والسند من الأمانة والتوثق. والعدل بمنزلة العين من الرأس وبمكانة (العقل من الإنسان).
ولا يمكن أن يُقال لا أظنه يمكن أن يقال يحسن التساهل في رواية وروايات التاريخ والأخبار والسير، فإن قراءة التاريخ من خلال العقل الفطين النابه ترد ذلك. وهذا لأنه الغالب على المؤرخين، نقل بعضهم من البعض الآخر، وجرت العادة لديهم كثيرًا الروايات عن طريق الظن والتقدير والقياس إلا أن العقل المدرك الجيد يريد الصواب مما يروى ويدون، وهذا لا يثبت قطعًا إلا من خلال السند الصحيح الذي ليس فيه وضاع أو واهم أو عديم الثقة أو يكون صاحب هوى أو بدعة.
علم السند وعلم الأسانيد هو علم قائم بذاته كعلم الفقه, وعلم اللغة وعلم النحو هو الضروري لإثبات الأخبار في التاريخ وسواه. وكل كتب الأخبار التي تورد وتحكي حوادث وروايات ورواية وخبرًا تنسب إلى أمة من الأمم أو قوم أو رجل أو امرأة فهذه حتى تكون ثابتة حقيقية فإن السند هو ضابط الصدق واليقين والحق.
ولا يتهاون بمثل هذا ما لم يكن المراد تزييف التاريخ والتلذذ بمجرد الأخبار على طريقة كتاب (ألف ليلة وليلة).
وكتاب (الأغاني) وما دونه (الكليني) و(القمي) و(البحراني)، خاصة في: (حدائق حدائق الأنوار).
ولهذا حينما كذبت اليهود عن بعض أمور (موسى) - صلى الله عليه وسلم - نزل قوله تعالى: {... اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}.
والكتاب هو الخبر أو الرواية، والإثارة هو السند الموصل إلى صدق ما يقال، وإلا فيبقى الأمر مجرد سواليف وتلفيقات.
فالآية هنا واضحة {... اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}, فلم تفعل يهود هذا. وقس على هذا وسر عليه {... وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ}.