محمد جبر الحربي
أصْحُو..
لَا نُورَ سِوَى الضَّوْءِ الْخَافِتِ في الصَّالةِ
أَمْشي..
أَتلَمَّسُ خَطْوِي،
وعُيُونِي
والصّالَةُ أَبْعَدُ مِمَّا اعْتَادَ الْعَقْلُ،
وَمَا تَحْتَمِلُ الْأَعْصَابْ!
أَجْلِسُ كَالْعَادَةِ فَوقَ نُعُومَةِ
سَجَّادةِ عُمْرٍ زَاهِيَةٍ
للنّاعِمِ في الشِّعْرِ،
وفِي الْحُبِّ،
الْعَالِمِ بالأسْرَارِ عَلَى خَجَلٍ..
والْعَالَمُ أَحْلَكُ مِنْ وَجْهِ عَدُوٍّ
وَالْوَقْتُ مُخِيفٌ
وَالسَّاعَةُ..
صَوْتُ السَّاعَةِ يَزْدَادُ عُلُوَّا
وَالْأَنْفَاسُ،
وَدَقَّاتُ الْقَلْبِ كَذُعْرِ السَّاعَةِ
والْعَرَقُ يَنِزُّ،
الرَّعْشَةُ..
تِلْكَ الْمَلْعُونَةُ إِيَّاهَا
تَسْكُنُ جِسْمِي
إِذْ تَهْتَزُّ كَرَاقِصَةٍ
أُمْسِكُني،
أَتَلَفَّتُ حَوْلِي
لَا أَحَدٌ..
وَالْغُرَفَةُ،
غُرْفَةُ نَوْمِي
وَالْجُدْرَانُ
اللوْحَاتِ
الشَّاشَةُ
كُلُّ الأشْيَاءِ تَنُوءُ
فأَغْرَقُ وَحْدِيْ..
لا أَحْبَابَ،
وَلَا أَصْحَابَ
سِوَى الليْلِ،
السَّاعَةِ،
والْوَحْدَةِ،
وَالْأَبْوَابْ.
وَحْدِيْ..
أَنْظُرُ لِلْأَبْوَابِ تُلَاحِقُنِيْ
فَأُشِيحُ بِوَجْهِيْ..
يَنْبُتُ بَابٌ فِي الزَّاوِيَةِ الْأُخْرَى
يُفْتَحُ فِي خَوْفِيْ،
أَوْصِدُهُ بِيَدَيَّ الرَّاعِشَتَيْنِ
فَتُفْتَحُ فِي شَكِّي أَبْوَابٌ
يَتْلُوهَا الْخَوْفُ بِأَبْوَابْ.
أَقْرَأُ مَا يَتَيَسَّرُ..
أشْرَبُ حَبَّةَ قَلْبِيْ
تُعْجِبُنِيْ تِلْكَ الزَّهْرِيَّةُ
تَحْمِلُ وَجْهَ الْقَلْبِ
وَرَسْمَ الْحُبِّ
فَأَسْأَلُ:
أَيْنَ مَضَى، عَبْرَ الأيَّامِ، الْأَحْبَاب..؟ّ!
أَسْعَى لِلْقَهْوَةِ..
تُحْضِرُنِيْ لِلْبَابِ
أُرِيدُ الْمَاءَ الْبَارِدَ
لا يأتي الماءُ البارِدُ
إِلا مِنْ خَلْفِ الْبَابْ..!
مَاذَا أَفْعَلُ كَيْ أهْرُبَ مِنْ وَحْشِ الْوَحْشَةِ
مِنْ غُرْبَةِ رُوحِي..؟
أَهْرُبُ بِالذَّاكِرَةِ بَعِيدَاً
أَهْرُبُ..
أَسْتَنْجِدُ بِالمَاضِيْ
أَجْمَعُ حَوْلِيْ النَّاسَ مِنَ الْحَارَةِ
مِنْ دُرْجٍ خَشَبِيٍّ غَلَّفَهُ النِّسْيَانُ
مِنَ الْعَتَبَاتِ عَلى مَدْخَلِ بَيْتٍ طِينِيٍّ
كَمْ مَرَّ النّاسُ بِهَا
مَرْضَى،
وَأَصِحَّاءَ
فأرْجِعُ أَسْألُ ذَاكِرَتِيْ:
يَا بَيْتَ أَبِي كَمْ تَجْمَعُ مِنْ أَهْلٍ؟!
أَهْرُبُ مِنْ خَوْفِي..
حَتَّى أَصِلَ إِلَى الطِّفْلِ
أُنَادِي:
-أَمُحَمَّدُ
يَأْتِيْ
يَصْحَبُنِي للتُّفَّاحِ،
وَلِلرُّمَّانِ،
إلى أَنْ تسْأَلَنِي الألْوانُ بِحُبٍّ:
-مَا بِكَ يَا طِفْلَ الطَّائِفِ..؟
أَمْسَحُ عَنْ عَيْنِيْ الدَّمْعَةَ
وَاقِفَةً حَيْرَى
تَسْقُطُ..
لَا تَسْقُطُ..
أَسْأَلُ: مَا بِكَ يَا شَيْخَاً حَرْبِيَّاً مِنْ شِعْرٍ؟!
وَأَعُودُ إِلَى رُشْدِيْ
فَأُقَرِّبُ كُرَّاسِيْ
أَكْتُبُ شِعْرَاً يَنْسَابُ مِيَاهَاً
يَشْتَعِلُ الكُرَّاسُ بِفُلٍّ
وَحَمَامٍ أَبْيَضَ
تَحْضُرُ فِي الرُّوحِ السَّرَوَاتُ
جِبَالُ الْغَيْمِ الْعُظْمَى
وَسُهُولُ الْأّعْنَابْ.
أَنْسَى..
فَيْضُ الْأَلْوَانِ عَلَى دَرَجَاتٍ يُطْرِبُ
يُرْجِعُ لِيْ رُوحِي
وَدَمِيْ
أنسَى
السَّاعَةَ
والرَّعْشَةَ
وَالْأَبْوَابَ
وَسِرَّ الْأَبْوَابِ
فَتُمْطِرُ مِنْ بَعْدِ ضَبَابْ.
يَنْهَمِرُ الشِّعْرُ
ويَأْخُذُنِيْ بِيَدَيَّ
إِلَى الْأَحْبَابِ بِلَا بَابْ.
لِلْحُرِّيَّةِ،
خَفْقِ الْأَجْنَحَةِ،
الْأجْنِحَةُ مَعَارِفُ حاضِرِنَا وَالأمْسِ
الْمُسْتَقْبَلُ أَخْيِلَةٌ،
ورَفِيفُ جَنَاحٍ..
كَمْ تُحْسِنُ ذَلِكَ أغْصَانُ الْأَشْجَارِ الْعُلْيَا
إذْ تُمْسِكُ بِالشَّمْسِ..
أَكَادُ أُحِسُّ الْأَغْصَانَ الْأَهْدَابْ.
أَيْنَ أَنَا الْآنْ..؟!
أَسْأَلُ،
أكْتُبُ،
أُغْمِضُ عَيْنَيَّ،
وَأَكْتُبُ بِالْقَلْبِ السِّيرَةَ،
سِيرَةَ طِفْلٍ..
يَكْبُرُ فِي الصَّحْرَاءِ
وَلَا يَنْسَى الْهُدْهُدَ،
لا الأشجارَ تُسَبِّحُ خَاضِعَةً،
لا الْمَاءْ.
لَا يَنْسَى السَّيْلَ الْجَارِفَ
يَقْسِمُ طائِفَ قَلبي نِصْفَينِ..
فَيُرْجِعُنَا للبَيْتِ مُدِيرُ المَدْرَسَةِ الطَّيِّبِ
والدُنا إنْ غَابَ الْوَالِدُ
أَطْفَالَاً لا نَعْرِفُ مَا السَّيْلُ،
ولا فِعْلَ السَّيْلِ الْهَائِلِ،
لا نَعْرِفُ إِلا سَيْلَ الدَّهْشَةِ فِي الأَعْيُنِ
يَجْرِفُنَا نَحْوَ الألْوَانِ الْقُزَحِيَّةِ
والأمْطَارِ على بَحْرِ الرُّوحِ
فَتَبْتَلُّ قُلُوبٌ وثِيَابْ.
لَا يَنْسَى عِطْرَ بُيُوتٍ مِنْ طِينٍ
لَا الْأَسْقُفَ مِنْ خَشَبٍ
لَا «المِنْوَرَ»
لَا أَحْوَاضَ الزَّهْرِ
وَلَا «الدَّكَّةَ»
يَرْقُبُ مِنْهَا الْبَاعَةَ
أَنْواَعَ عُطُورٍ وَبَخُورٍ
وَسَجَائِرَ تِبْغٍ
أَسْرَابَ الْهِجْرَةِ
مِنْ طَيْرٍ
وَأُنَاسٍ
لَا السَّيِّدَةَ السَّمْرَاءَ
تَبِيعُ «الْفُصْفُصَ» وَالْفُولَ السُّودَانِيَّ
وَبَاعَةَ أَقْمِشَةٍ.. وصُنُوفٍ مِنْ آنَيَةٍ
يَسْمَعُ مُنْتَشِياً أًصْوَاتَ مَعَادِنَ
وَزَجَاجٍ مَكْسُورٍ
يَمْتَزِجُ بِصَوْتِ الرَّعْدِ،
وَوَمْضِ الْبَرْقِ،
«السَّقَّا» مِنْ يَمَنِ المَاءِ،
وَقَدْ جَلَبَ الْمَاءَ،
الْمَاءَ يَخِرُّ مِنَ «الْمِرْزَابْ».
أَفْتَحُ عَيْنَيَّ عَلَى صَوْتِ أَذَانِ الْفَجْرِ
أُصَلِّي..
يَرْفَعُنِيْ نُورٌ
يَمْسَحُ فَوْقَ جَبِينِيْ
يُرْجِعُنِي لِلشُّبَّاكِ وَقَدْ غَطَّاهُ الضَّوْءُ
فأّفْتَحُ عَيْنَيَّ عَلَى الدُّنْيَا
أَتَحَسَّسُ جِسْمِيْ
لَا رَجْفَةَ..
قَدْ ذَهَبَ الذُّعْرُ الأعْمَى
أَفْتَحُ كُلَّ الْأَبْوَابِ
وَأَغْفُو كَالطِّفْلِ..
فَلَا خَوْفَ لَدَيَّ،
وَبَيْنَ يَدَيَّ كِتَابْ.