سعيد مصلح السريحي وما ذاك؟
رجل من عرَض الناس ببصيرة جدته التي ورثها يرى ذلك بينما يراه الآخرون أنه صاحب كلمة لا يشق له غبار وهو كذلك، كان بدوياً ثم أصبح حضرياً من عوامل التعرية الزمنية التي تُطال الكائنات الحيّة كلما استدار الزمان كهيئته، بيد أن صفة العناد لم تفارقه كجينات بدويّة ورثها من القبيلة!، سنوات العمر تندرج تحت أيقونة السلّم المتحرك للحياة وتعلو به السنون فتصل إلى أيامنا حيث السوشال ميديا مع الاحفاد ثم ترجع القهقرى إلى خيمة جده راضي الذي تأبط شراًيوما ما وخرج ولم يعد كأسلافه الذين عجز على تعداد قبورهم، لنقل بأنه يتقلب في الأرقام الكبيرة! ولكنه رقم صعب يوازي قبيلة من الكتّاب تتجاوز قبيلته حتى بعد أن خلع أقواسه واستقر به النوى على أن رقم العمر لديه لا يقاوم نسائم الشباب التي تهبّ على روحه المتفانية وإن ظن الأحفاد أنه يهذي أحياناً فكأنه ابن أربعين لولا الإزاحة القسرية التي طالت شعره فتصحّر أعلاه وابيضت جوانبه وهنا تكمن العبقرية فهو حبة من حبات العقد المميزة الذين طالهم الصلع من فلاسفة وأدباء منهم سقراط وشكسبير! فقد حاز الحسنيين صلع وشيب فكيف يرجون سقاطه بعد أن جلل رأسه بهذين كما يقول ابن كاهل! ولا أدري هل هو يدخّن أم لا؟ ولا أعلم نوع السيجار إن كان يدخن! ولكن هيئته توحي بأنه من أصحاب نيتشه وماركيز، حيث متلازمة الغليون كعلامة اقترنت بالمفكرين، عشت معه داخل أقواسه وليس خارجها فألفته ولا أدري هل ألفني أم لا؟! فالحب أحياناً يكون من طرف واحد فيشقى المحب ويظل المحبوب في سعادة وأريحية، ميت القلب لا يشعر ولا يحس بارد الأعصاب! هكذا يقول زميله عابد ما معناه حين تقرأ لأحدهم عليك أن تتقمص دوره وتعيش معه، أصبحت بمعيته في دار واحدة قبل عقود طويلة أنام حيث ينام وأستيقظ حين أشعر بأن الصباح يتسلل ضوءه كخيط رفيع من ثقب باب الغرفة المهترئ وبجوارنا صحبة من كبار السن والشباب لا أعرف أكثرهم سوى عيسى الذي ذكره أكثر مما ذُكر عيسى في انجيل متّى، كنت حاضراً مع جدته ووالده ولكن لا تصدق إني معه في سن واحده فهذا ضرب من المجاز استغفر الله بل من الخيال وهو حديثنا الممتع مع الحياة خارج الأقواس إلا إني تخيلت وحلّق بي الحلم كما حلّق به مع والده ممسكاً بيده إلى حيث القبور التي اختطها وظليرقب أحداها مدة طويلة ليُدفن فيه ومع ذلك خالفه القدر في مكان آخر! وتجولت وعشت اللحظات في ذلك البيت العتيق مع أم سعيد وأبي سعيد يرمهما الله غير أني لا أدري ما سر عقدة السقف الذي يحدق النظر فيه حتى آخر جملة من الكتاب حينما يستيقظ من أحلامه التي تشبث بها في رحلة الأقواس!
اعتقد بأنه لامس مقولة دوستوفسكي: حتى الأحلام ينبغي عليها أن تقاوم للبقاء على قيد الحياة! وأحلامه لا تستطيع التفريط في صحبته المفزعة التي استمرأ عليها كل لياليه داخل صندوق الأقواس مع الذئاب والموتى.
خارج الأقواس ليس ثنائية الحياة والموت فحسب بل هي الحرية وخلافها هي المباح الذي يجوزله ما لا يجوز لغيره هي المتعة مع الذئاب عندما يتوسد الجثث المتعفّنة داخل غار الحُليق دون أن يطلبه أحد بدية أو قصاص عن جدّه راضي، هناك خارج الأقواس حيث يتمدد قلمه كيفما شاء في الصيف والشتاء دون أن يجف مداده مع ارتفاع وانخفاض درجات الحرارة، ودون أن يشعر أن أحداً يتربص به فيرديه قتيلاً بخنجر المؤامرات فينعاه القلم داخل الأقواس.
حينما نظر في المرآة رأى فيها عابد فتسربلت حكاية الحداثة التي اشتم رائحة نباتها خارج الفصل الدراسي ولو كان داخل الأقواس لما استطاع أن يخرج عن النص ليستبيح من الكلام كفاصل تراقصت فيه الجمل دون حياء على مسرح القراء بينما اضطررت أن أكون أنا مع النص مستمتعاً ومستعتباً نفسي أني لم أكن معه من قبل داخل الأقواس.
** **
- أحمد بن حمد السبيت