لا يميز الإنسان عن باقي الكائنات إلا «الوعي»، فالوعي هو التفكير والتخطيط؛ والمعرفة والعمل؛ والحزن والفرح؛ واللغة والإبداع؛ والقوة والرقي؛ والفوضى والقانون؛ والنجاح والفشل ...الخ.
بيد أن الوعي ليس ثابتاً لأنه ليس غريزة، إنما مكتسب! فالطفل المولود تواً ليس واعياً، وهذا ما يؤكد أن الوعي ليس غريزة. والأطفال يكتسبون الوعي من العائلة أولاً، ثم الأقرباء والمعارف والشارع والمدرسة والتجربة الفردية والاجتماعية.
وبما أن هذا الوعي مكتسب، فهو: أولاً متباين من فرد إلى آخر حسب التجربة الحياتية.
وثانياً وهو الأهم أن هذا الوعي مرتبط بمقدار تطور البيئة المحيطة بالفرد، فالتقدم ينتج وعياً مبدعاً؛ مبتكراً؛ مخترعاً؛ ممأسساً؛ مساهماً في التطور الاجتماعي. أما التخلف ينتج وعياً معطلاً من كل النواحي.
وثالثاً الوعي ليس معرفة مكتسبة وحسب، إنما هو معرفة ممزوجة بالعاطفة المكتسبة أيضاُ. أي أن الوعي الإنساني ليس كالحاسوب «الكمبيوتر»؛ ولا كـ«الإنسان الآلي أو الروبوت»؛ الخاليين من المشاعر؛ ولا يمكنهما استيعاب متطلبات المرحلة التطورية لأي مجتمع؛ إنما يوجههما من لديه «مشاعر» لفعل ما يتطلب وقتاً طويلاً أو مجهوداً كبيراً يعيقه عن مسيرة التطور المتسارع! وبالتالي من أكبر الأخطاء ما يعتقده البعض أن الآلات الذكية ستحل يوماً ما محل البشر! والوعي مرتبط ليس بالعلم وحسب؛ إنما بالفن؛ والأدب؛ والأعراف الاجتماعية؛ والقيم الأخلاقية ...الخ.
رابعاً: الوعي مرتبط بشكل وثيق بالقانون! فالفوضى وشريعة الغاب تنتج وعياً مشوشاً. كما أن القانون هو «عقد» اجتماعي بين الناس، يضع كل في موقعه في الهرم الاجتماعي، وينظم العلاقة بين مختلف عناصر السلم الاجتماعي. من أجل تطور المجتمع المرهون بنمو «الوعي» لدى تلك العناصر.
في كل المجتمعات المتقدمة منها والمتخلفة؛ يوجد بنسب مختلفة؛ من يضرب القوانين والأعراف الاجتماعية عرض الحائط. وهؤلاء لا يجدون معنى للحياة سوى «الفلوس» لأسباب متعددة؛ ومعاناة الدول النامية في هذا الأمر؛ تفوق بأضعاف معانات الأفراد في الدول المتقدمة للأسباب التالية:
أولاً العائلة: بخلاف الطفل في الدول المتقدمة؛ الذي يتربى على أن وجوده بهذه الدنيا يتطلب من العائلة الاعتراف «بحقوقه» في الرعاية؛ غالباً ما يتربى الطفل في الدول المتخلفة على أن وجوده في هذه الدنيا «عبء» على والديه! و»يجب» عليه البر بهما حتى لو ظلماه! وإن تجاوز كل ذلك فلن ينجو أحياناً من اللقمة المغسولة بالذل أوالاهانات أو البصق في الوجه لأجل أن يكون «صالحاً»!
ثانياً المدرسة: يتجرع الطفل بدخوله المدرسة سوء المناهج التعليمية؛ والتلقين؛ وتخلف النظام التعليمي؛ و»جهل» وضحالة المدرسين وجورهم؛ ويكون مطالباً بعد ذلك بتحقيق أعلى المعدلات! وإن فشل في مرحلة ما؛ فسيتعرض للضرب المبرح؛ أو على أقل تقدير للتوبيخ والإهانات. أما مقولة «الفشل هو طريق النجاح» فلا تعرف طريقاً إلى أذهان العباد.
ثالثاً المجتمع: بالاضافة إلى ضعف المؤسسات في الدول المتخلفة؛ يقع الفرد تحت نير الجهل والظلم. ويتوجب عليه أن يساير الاثنين؛ سواء بـ«الفلوس» أو التهديد! وهنا يأتي دور الإعلام «المحايد»؛ والنخبة «المصطفاة»؛ الذين لا هم لهم إلا جعل الفساد هو «الفضيلة» بعينها! بالإضافة إلى التراثيين الذين لا ينهلون من التراث إلا ما يسلبك الثقة بالنفس كي تكون ملوث «الوعي»؛ أي «إمعة». ولا يسعني القول هنا إلا أن أقول: طوبى لكل من من تجاوز «الفلوس» وملوثات الوعي؛ واحتفظ ولو بالجزء اليسير من الأمل والطموح! وأوجه تحية من القلب للأجيال الجديدة؛ التي تذلل الصعوبات؛ وتتجاوز الأخطار؛ وتمضي قدماً؛ رغم صعوبة هذا الزمن الغادر!
** **
- د.عادل العلي