بسبب التطور الهائل للتقنيات الرقمية أصبحت السينما سهلة؛ كل الأدوات متوافرة، والكاميرات رخيصة، وبرامج التحرير (المونتاج) بسيطة، وبالتالي نتج عن ذلك تضاعف أعداد الأفلام بقدر لا يحصى، فالأفلام الجديدة تصدر يومياً بكل اللغات وكل الأنماط وكل الأشكال وكل الأحجام.
لذا تعاني السينما اليوم من غزارة الإنتاج السينمائي، فأصبح صعباً تحديد الأفلام الجيدة عن الأفلام السيئة، فيضيع الفيلم الجيد داخل الكثافة العددية، وأحياناً كثيرة تبرز الأفلام السيئة.
ومن مسببات هذه الكارثة سهولة عرض الأفلام، فالإنترنت مكدس بمواقع العرض بشكل مجاني وغير مجاني، ورغم أنَّ الوظيفة الأساسية لها خدمة الأفلام والسينما إلا أنها أثرت سلبياً على الجودة الفنية للأفلام بشكل عام، وساهمت في دفن التجارب الجيدة.
والخوارزميات الرقمية التي تتحكم في عالم الإنترنت لا تختار الأفلام بناءً على ضوابط الجودة الفنية، والأفضلية السينمائية، ولكن تختارها بناءً على معايير لا تهتم للسينما كفنٍّ، بل تهتم لأهدافها التجارية والربحية والنفعية، والتحكم بمعلومات المتصفح.
وأما فكرة التطور الهائل في فن التصوير فهي مخادعة، لأن ليس بمقدور الشكل أن يغير عيوب القصة التي يعرضها الفيلم.
إذن، رغم غزارة الإنتاج السينمائي إلا أن مستوى الجودة الفنية للأفلام ضعيف، وذلك لأن جوهر الفيلم الجيد لا بد أن يكون مرتبط بعلاقة تناغمية بين نظرية المعرفة مثل الفلسفة والتاريخ وبين الفنون الحرة مثل العمارة والشعر والموسيقى والرقص والمسرح والرسم، وإحاطة صُنَّاع الفيلم بكل ذلك يؤثر على الجودة الكلية للعمل، وقيمته الفنية.
ومع ذلك توجد نهايات حتمية لكل شيء حتى للسينما، والعصر الرقمي يقترح أن دور الفيلم محدود داخل القوالب الترفيهية، إلا إذا اتحد كل صُنَّاع السينما حول العالم ووضعوا قوانين صارمة لمعايير الصناعة الحقيقية كما فعلوا سابقاً أصحاب «الدوغما95». ولأن الفيلم الحقيقي يكشف سراً عن الإنسان والحياة.
** **
- حسن الحجيلي