د. جمال الراوي
الزّوَرُ؛ أو جنون الارتياب؛ حالة مرضية تصيب بعض الناس؛ الذين يؤولون ما يجري لهم بطريقة سيئة وسلبية، ويعطونه تفسيرات وهميّة وغير واقعية؛ كأن يتوهم المصاب به بأنه مُلاحق من قبل الآخرين؛ الذين يُريدون اضطهاده والكيد به، وقد يفسّر تصرّفات من معه أو بجواره على أنها تقصده دون غيره، فيكون في حالة من الشكّ والخوف، فلا يهنأ له بال ولا يستقر له حال، وعلاج هذه الحالات صعب جداً، لأن المرض مترسخ في طبيعة المصاب به، ولا يستطيع الفكاك منه، والوسواس والارتياب تلاحقه ولا تغادره في ليله أو نهاره، وقد يعاني المرء من الزّور، دون أن يدري، وهي حالة من الوهم والاعتقاد الباطل؛ الذي يؤمن به، فيكرّس له كل وقته وتفكيره، رغم سخافته وعدم صدقيته، كأن يشعر بأنّه غير محبوب أو محسود، أو أنّه مستهدف، وأن النّاس تغار منه، وغير ذلك، وتتشعب من هذا الداء، تعقيدات نفسية كثيرة، وتترسّخ أوهام وهذاءات، تجعله يرتاب ويشكّك في مَن حوله، ويفسر كل إشارة أو إيماءة أو كلمة، بأنها تهديد له أو ازدراء به، فتُشغِل هذه الظنون عقله، وتجعله في خصومة دائمة مع الناس، كما إنّه قد يختلق هذه التخيّلات، حتى دون أنْ تكون موجودة؛ لأنّ عقله الباطن يصور له هلاوس سمعية أو صوتية أو بصرية، فيقع في حالة دائمة من الشك والارتياب والخوف.
وقد تم تقسيم الزور إلى «هُذاءات» Delusions مختلفة، منها هذاء الاضطهاد؛ حيث يعتقد المريض بأن الناس يتآمرون عليه، ويقصدون إيذاءه!! ومنها هذاء العظمة؛ حيث يظن المريض بأن له قيمة ومكانة مرموقة، فيحدث الناس عن مغامراته وبطولاته الوهمية!! ومنها هذاء توهّم المرض؛ وهي حالة تُصيب كثيراً من الناس، ممن يعيشون في قلق دائم على صحتهم، ولا ينفكون من التردد على العيادات والأطباء والمستشفيات، ولا تقنعهم سلامة الفحوصات والتحاليل الطبية، ويراودهم الشك بأنهم يحملون في أجسادهم مرضاً خبيثاً لا علاج له!! ومنها هذاء التلميح؛ وهي حالة من الارتياب، تجعل المريض يفسر كل حركة أو همزة من الناس حوله، بأنها موجهة ضده، فيضطر إلى اعتزال الناس وعدم معاشرتهم!! ويبقى الهذاء السوداوي؛ وهو أشدها وأغربها، لأن المريض يشعر بعقدة ذنب تُلازمه؛ فيعزو لنفسه كل المصائب التي تنزل على الناس، فيقول بأنه يستحق العقاب، وأن لا علاج لما يجري للبشر إلّا بإنزال العقاب عليه!
في حقيقة الأمر، الزّور هو انفصام بين عقل المريض والواقع الذي يعيش فيه؛ لأن عقله يفقد المحاكمة العقلية الصحيحة، نتيجة تراكمات تربوية، مع انعزالية مطلقة في فترة الطفولة، وعدم اكتسابه للصداقات والرفقاء، أو بسبب عدم ثقته بنفسه، وحينما يصل سن الرشد، يصبح متزمِّتا وغير متسامح ورافضاً لأي نقد، فلا يغفر لأحد هفواته معه، حتى وإن كانت صغيرة، ثم يتطور الأمر، فيصبح كثير الشكوى والانتقاد، ولا يُرضيه أي شيء، بينما الاستهزاء والسخرية بالناس تلازمه على الدوام، فتكبر هذه الأعراض النفسية حتى تتحول إلى زور وهذاء.
ومع الأسف فإن الحياة العصرية، تلعب دوراً سيئاً في تنامي حالات الزور والأمراض النفسية الأخرى، خاصة وأن الإعلام، لا يتوقف عن نشر أخبار الحروب والصراعات بين البشر، مع انتشار العقاقير والكحول والمخدرات، وقد لوحظ بأن هؤلاء المرضى، يعيشون صراعاً محموماً بين رغباتهم وأهوائهم، وفقدانهم الوسائل لتلبيتها، أو بسبب الموانع الاجتماعية والخوف من المجتمع وافتضاح أمرهم، كما لوحظ بأن العنوسة وتأخر الزواج يسهم في تنامي الزّور، بسبب الحرمان الجنسي، لأن الجنس حاجة ضرورية وفطرية، والحرمان منها يدفع إلى هذا الشذوذ النفسي.