د. محمد بن إبراهيم الملحم
قررت أن تكون المنصة هي منطقة حديثي اليوم خاصة بعد تصريح معالي الوزير الأخير حول نجاح تشغيل المنصة التي نقدرها ونعلم أن وراءها سواعد رجال التعليم المخلصين الذين يعملون لأجل وطنهم ومواطنيهم، بينما مع الأسف ربما نسفت قيمة جهودهم العظيمة كلمة قالت لصاحبها دعني عندما عبر معاليه عن بعض المعلمين أنهم «دقة قديمة»، وأن الوزارة «ضغطت» عليهم ليتعاملوا مع المنصة، ولا أعلم كيف ضغطت عليهم؟ فهم موظفون ونظام الخدمة المدنية (التابع لوزارة الخدمة المدنية) هو الذي يضغط عليهم وعلى غيرهم ليحققوا ما يتطلبه العمل الوظيفي منهم، وهم يستجيبون لهذا الضغط الطبيعي المنطقي بكل أريحية، لأنهم قبلوا العمل الوظيفي مثل كل إنسان موظف في هذا العالم! ومع ذلك ربما يحق لوزير التعليم أن يستخدم بعض التعبيرات لإيصال الفكرة وتوضيح الجهود، ولكن من حق المستمع في المقابل أن يفهم مدى المشكلة ونوعية الجهود المبذولة، فإن كان هناك مبرر فعلي لهذه المفردة فحبذا أن نتعرف على جهود الوزارة المبذولة في مسألة «الضغط» هذه، ليقدر الجميع قيمة النتيجة التي استدعت استخدام هذه المفردة الجارحة لكثيرين من خيرة المعلمين الذين أفنوا أعمارهم في التدريس، ولكيلا يستمر هجوم المعلمين على معاليه عبر السوشيال ميديا، فليس هذا مظهراً صحياً أبداً لتحقيق رؤية وطنية طموحة نتطلع إلى تسريع الوصول إليها، خاصة أن من سيفعل ذلك هم المعلمون في الواقع وليس المسئولون أو متخذو القرار.
وقد لفت انتباهي في المقطع نفسه أن معالي الوزير استشهد بالنجاح من خلال استعراض إحصائيات أعداد مستخدمي المنصة من طلاب ومعلمين وفصول، وكنت أتمنى أن يستعرض إنجازات نوعية، فالأرقام والأعداد هي انعكاس مباشر لإحصائيات الوزارة المعتادة باعتبار أننا نتوقع أن يدخل كل الطلاب المنصة تقريبا، ومع ذلك فقد تفاجأت بالأرقام وصدمتني إذ ذكر أن عدد الطلاب مليون ومائة ألف فقط بينما أعداد طلاب المملكة يفوق الـ 5 ملايين حسب آخر إحصائية نشرتها الوزارة لعام 1439، فتساءلت أين الإنجاز الكمي هنا! كما أن عدد الفصول الافتراضية مليونان بينما عدد الصفوف لنفس الإحصائية لا يتجاوز 315 ألف وهذا تناقض أو خطأ! كذلك ذكر أن عدد المعلمين 72 ألف معلم، بينما الإحصائية تقول إن لدينا أكثر من 250 ألف معلم ما يعني أن قرابة 180 ألف معلم لم يستخدم المنصة!
الفروق مزعجة، ولكني تعوذت بالله من الشيطان الرجيم فلجأت إلى تفسيرات مناسبة فقلت لتكن الفصول الافتراضية هي بحساب التكرار حسب الجداول، بينما إحصائيات الصفوف هي بحساب الفصول في المبنى المدرسي، مع أن مثل هذا الشكل الإحصائي لا ينبغي توريط معالي الوزير فيه لتلاوته على الملأ، لأن المقارنة تكون عادة بما هو منشور قبلاً فيجب المواءمة بين الشكلين الإحصائيين. ثم حاولت تفسير فرق عدد المعلمين فلم أجد سوى أن هذا الفرق لم يستخدم المنصة بعد (وهو 180 ألفاً)، لكن معالي الوزير أشار إلى نجاح الوزارة في دفع أغلب المعلمين للتفاعل مع المنصة والعمل من خلالها! فقررت أن أغمض عيني هنا قليلاً وذهبت إلى مقاربات مناسبة فيما يتعلق بأعداد الطلاب فقط، فحسبت طلاب المدارس الحكومية للتدريس النهاري وبدون التعليم الخاص وتعليم الكبار وأمثالها من أنواع التعليم الأخرى واقتصرت على المرحلتين المتوسطة والثانوية فوجدتهم قرابة مليونين (مليون وتسعمائة وستين ألفاً)، فتساءلت أين ذهب التسعمائة ألف طالب في الإحصائية المقروءة؟ هذا يعني أن لدينا قرابة مليون طالب لا يدرسون!
طبعا هنا أتكلم عن طلاب مرحلتين فقط، ولكن لا تسألني عن طلاب الابتدائية أو التعليم الأهلي أو بقية أنواع التعليم التي أستثنيتها من الإحصائية.. مشكلة حقيقية فعلاً إن كان عدد الطلاب بهذا الحجم القليل.
والتساؤل مقدم إلى وزارة التعليم الموقرة كم عدد الطلاب الذين لم يدرسوا حتى اليوم؟
ولأتمم الصورة فإن كل ما تقدم تقييم كمي، ولكن يبقى الجانب النوعي للمنصة سأتحدث عنه في الحلقة القادمة فابقوا معي.
** **
- مدير عام تعليم سابقاً