مها محمد الشريف
لكي يحافظ أردوغان على بقائه في السلطة يظهر العنف في كل مكان ليقنع شعبه بأنه المنقذ الوحيد لهم من الموت والقوى الخارجية. العنف الذي يهدد به الإرهابيين واليهود واللاجئين والمسلمين بإبادتهم ليشرع بذلك سياسات العداوة من أجل ديمومته، ولصياغة مفاهيم معاناته النفسية المريضة، حتى جعل تركيا تعاني من القرن الذي تعيش فيه نظرًا إلى الأحداث التي تشتغل بها سياسيًّا.
في العديد من الجهات نقلت وكالات الأنباء عن الرئيس التركي قوله عقب رئاسته اجتماعًا للحكومة: «لن نخلي الساحة لأي من قوى الشر انطلاقًا من منظمة غولن إلى بي كا كا، ومن اللوبيات الأرمينية والرومية وصولاً إلى محاور العداء التي مصدرها الخليج».
وأضاف أردوغان: «ندرك جيدًا المآرب الخبيثة وراء المكائد التي تستهدف اقتصادنا. ستواصل تركيا إفشال مخططات الذين يتوهمون أنهم قادرون على هدم اقتصاد تركيا عن طريق استخدام مؤسسات مالية في الخارج، وحشرها في الزاوية. هؤلاء سيجرون أذيال الخيبة مجددًا».
ليس هذا فحسب، فهو يهدد أيضًا أوروبا، ويستعمل البنيات العسكرية الرسمية كغطاء لنشاطات خارج القانون؛ إذ امتزجت شتى أنواع المتاجرة غير القانونية بالقمع السياسي، ويرسل من خلالها رسائل مغلفة لشعبه باحتكار السلطة، وتوزيع غير عادل بين أطياف مجتمعه حتى تعقدت أشكال تملك الموارد أكثر فأكثر، وتدمير كل رابط اجتماعي داخل بلاده.
الظاهر لم يعد الأمر يتعلق بتنفيذ مخططات لسياسة التدمير مقابل بقائه إذا كان في المقابل يحمل نتائج الاستعمار في العالم المعاصر، ويحمل أيضًا في طيه سياسة الرعب والكراهية، فهل سيبقى الشيطان المكبوت الاستعماري زمنًا طويلاً لبث الفوضى السائدة في العالم، والخروج عن الديمقراطية وانقلابها إلى ديكتاتورية، فيغذي هاجس الخوف والقلق من الفناء والبقاء مع الأقوياء، أم سينتهي قريبًا إلى مزبلة التاريخ؟
لعل عودة تركيا إلى محيطها الطبيعي سيتعذر بوجود أردوغان الذي صنع هويات مخصصة وقوانين تعسفية عزلتهم عن العالم، وهذا هو جوهر الاستمرار الذي يعتقده ويسير عليه، ووسيلته الفضلى هي صناعة الأعداء. بالأمس كان يهدد دول الخليج، وقبلها يعد العدة للحرب في سوريا وليبيا، ويسير في معية أعماله الإرهابية، ويعمل على التوترات في شرق المتوسط، ومضاعفة الأسيجة من حوله حتى أن الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل كان قد أعلن عقب اجتماعات مطولة للمجلس الأوروبي أن «التوترات في شرق المتوسط بين اليونان وتركيا وقبرص تتزايد، والأمر يضاعف خطر اندلاع مواجهة تتجاوز مجرد حرب كلامية»، مذكرًا بما قاله وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي: «ثمة عواقب محتملة ووخيمة في غياب التقدم في التعامل مع تركيا».
في الحقيقة، الأمر لم يعد يتعلق بتوسيع دائرة نفوذ أردوغان، وإنما يصنع حدودًا بأشكال بدائية من أجل سلطة جوفاء في عالم يتميز أكثر من أي وقت مضى بتوزيع غير عادل للقدرات والحركة والتنقل؛ إذ يمثل هذا التنقل والحركة لرئيس تركيا حظه الوحيد للبقاء في كرسي الرئاسة؛ فأصبح العنف لديه معطى أساسيًّا، يطوق خياله بدائرة مميتة، تزايدت صعوبة الخروج منه.
لأجل ذلك تركيا لم تجد شيئًا أكثر ملاءمة غير كتابة تصويرية، تتأرجح بين الطاعة والخوف، وهي تعاني من انتهاكات لحقوق الإنسان، وترتيب يتذيل القائمة في هذا الشأن؛ فهي عالقة بين عالمين، هما الانعكاسات والظلال. والدلالات الأخيرة تشير إلى جوانب الحياة المظلمة على حد سواء. فمؤشر مؤسسة فريدوم هاوس اعتبر أن تركيا دولة «غير حرة تمامًا»، كذلك أعلن مؤشر سيادة القانون لمشروع العدالة العالمية أن تركيا تحتل المرتبة الـ107 عالميًّا من أصل 128 دولة، بما يخص مسائل سيادة القانون وانتهاك حقوق الإنسان.
مع كل هذا يجب الأخذ بعين الاعتبار أن كل حرب تترك بابًا، طالما أن الأحقاد تهديد شبه دائم للانهيار، فكلما خاض أردوغان حربًا يعود متقهقرًا إلى الوراء، واعتبر فرويد هذه الحالة «وعيًا مريضًا في غياهب الحياة النفسية، بمعنى نزوة الموت والتدمير. ويستحيل أن تذوب، وهدفها توجيه العالم وفق إرادتها».