عبدالعزيز السماري
نعاني عربياً، بل نمر في أدنى مستويات التفرق والوهن، فالانشقاق السياسي والأيدولوجي يمزق الأواصر العربية، ويقدم الأراضي العربية إلى الأجنبي بأبخس الأثمان، وهو ما قد يفتح الباب لمزيد من التنازلات للخارج، ومزيد من التمزق والألم في الداخل، فهل ندرك خطورة التمزق الأيدولوجي قبل السقوط تحت رحمة إيران وتركيا وإسرائيل.
لا يوجد حل عند أي من هذه الدول، فالارتماء في أحضان إيران أو تركيا أو إسرائيل يعني مزيداً من الضعف والاستسلام للآخر المتفوق نسبياً، بينما الحل الحقيقي يبدأ من الداخل، ومن خلال تقوية الجبهات العربية الداخلية، ووضع حد للولاءات إلى الخارج، إذ لا يعقل أن يهيمن الحوار الثقافي أو السياسي عن أي من الخيارات الثلاث أفضل للوطن العربي.
فالسلام مع المتفوق والمعادي أيًا كان هو استسلام بكل ما تعنيه الكلمة، كذلك استخدام إيران لضرب العمق العربي ومحاولة الوصول إلى الحكم من خلاله هو الذل، فالأمر سيتحول إلى علاقة الذنب بالرأس، وأيضاً اللجوء إلى تركيا من خلال أيدولوجية بائسة، هو فتح الباب للنفوذ التركي أن يدخل مرة أخرى.
التمزق الأيدولوجي علامة على التشرذم، وعندما يتعلق المرء بخيوط أيدولوجية ضاربة في العمق التاريخي، فيعني ذلك مزيدا من الانشقاق، وهو ما يجري الآن، فالتأزم العربي له علاقة بخيوط الأيدولوجيا، والتي تمتد من كل اتجاه لضرب أعماق الوطن العربي، في حين أن ذلك لا يوجد في مجتمعات الدول الثلاث التي ذكرتها أعلاه، وإن وجد لا يتجاوز الخطوط الحمراء.
بينما تحول الوضع في الأوطان العربية إلى سرطان يمزق أحشاءها، ويجعل من التناحر سمة متلازمة للمجتمعات العربية، ولابد من حلول للخروج من هذه الأزمة، فقد اشتدت عناصر الخلاف، وتحولت العقول إلى منصات للصراع الأيدولوجي، فهل نعي خطورة الأمر، أم نستمر في التعامل معها إما بلامبالاة أو بقسوة وشدة.
الحل يكمن أولاً في فسح المجال لمنهج النقد ضد الأيدلوجيات العربية المنحازة إلى الخارج، ثم تهميشها تماماً بطرح حلول عملية بحتة تهدف إلى حياة أفضل للإنسان، وحقوق أوفى لاحتياجاته المتعددة. وهذا لن يأتي إلا بجهود مضاعفة من رواد التنمية الحديثة والدعاة والمثقفين الإصلاحيين.. وكلمة ثقف الشيء أي أصلح اعوجاجه ليستقيم.
المثقف العربي الإصلاحي ليست له سمات محددة، ويخرج من جميع ألوان الطيف الثقافية، ومهما تباعدت خلفياتهم ومرجعياتهم، وعليهم حمل إصلاح إعوجاج الخطاب المتشنج، وإذا تركنا الحبل على الغارب لهؤلاء أن يختطفوا قضايانا الساخنة ثم تبنيها من خلال مقدمات نظرية خاوية لا تجيد إلا إفراز التشنج والتوتر والقلق والانفصام عن الواقع، ستطول فصول المأساة، وستظهر أجيال لا تجيد إلا التعامل والعمل من خلال بؤس الأيدولوجيا، والتي عادة ما تتجاوز حدود الأوطان إلى الخارج.
أخيراً تحتاج الدول العربية إلى نجاحات في التنمية، والخروج من وضع الاقتصاد المشلول إلى اقتصاد يخدم الوطن، وذلك عبر فسح المجال للعمل والإنتاج، ويحدث من خلال تسهيل فرص العمل، وتشجيع المشاريع الكبرى، وإذا تجاوز الوطن العربي أزمة الاقتصاد، فقد خطى الخطوة الأهم لتجاوز بؤس الأيدولوجيا بين الشعوب اليائسة.