محمد سليمان العنقري
الأمية بمفهومها السائد تعرف بأنها عدم القدرة على القراءة والكتابة بأي لغة من لغات العالم، لكن هذا النوع من الأمية شبه تلاشى بكثير من المجتمعات بفضل برامج محو الأمية وانتشار التعليم إلا أن عصر المعلوماتية واستخدام التقنيات الحديثة وانتشار الأجهزة الإلكترونية بمختلف أنواعها من كمبيوترات وأجهزة لوحية وكذلك الهواتف الذكية أحال البشرية لإنجاز جل أعمالها واحتياجاتها بالتواصل من خلال هذه الأجهزة مما نقل العالم لمرحلة جديدة باتت فيه الأمية هي الجهل باستخدام الأجهزة الإلكترونية وخدمتها ثورة الاتصالات الهائلة والابتكار الذي سهل استخدام الأجهزة وحول كثيرًا من الأعمال لمجرد تطبيقات تنجز من خلالها المعاملات وكثير من الأعمال دون الحاجة للتنقل والذهاب لمقرات تلك الجهات لإنجازها.
لكن جائحة كورونا قد تكون هي التحول التاريخي في مستقبل كثير من الأعمال بأن تكون ليس فقط عبر التقنية فهذا بات شائعاً منذ سنوات، لكن الجديد هو أن يصبح كل شيء ينجز عن بعد هو التحول الفعلي لعصر جديد نعيش أول فصوله العملية بنطاق واسع ولعل التعليم عن بعد هو أكبر مثال على ذلك، فصحيح أنه ليس بجديد وتعود بداياته إلى القرن التاسع عشر حيث كان يتم بالمراسلة البريدية من بعض الجامعات في أمريكا وأوروبا وانتقل عبر الأجيال من مرحلة لأخرى إلى أن باتت التقنية تخدمه إلا أنه بقي على مستويات محدودة جداً عالمياً، لكن هذه الجائحة فتحت الباب على التوسع به وانتشاره وفي المملكة العربية السعودية استخدم هذا العام بكافة المراحل التعليمية مما يمكن اعتباره من أهم التجارب العالمية بهذا التطور اللافت باستخدام التقنية في إحدى ركائز التنمية وهو التعليم وقد قال معالي وزير التعليم الدكتور حمد آل الشيخ: «إن التعليم عن بُعد أصبح خيارًا استراتيجيًا للمستقبل؛ ما يتطلب استمرار العمل على تطويره، وتبني ثقافة التغيير داخل المجتمع للتعامل مع البيئة التعليمية الإلكترونية دون ربطها بالأحداث أو الأزمات».
فما يمكن استنتاجه من تصريح الوزير أن هذا النوع من التعليم لن يكون مرتبطاً بحالات طارئة، بل سيكون وسيلة لها طرقها المعتمدة وحوكمتها وسيصبح ركناً أساسياً من إدارات جهاز التعليم ليس محلياً، بل عالمي ولذلك من المهم فعلياً العمل على رفع درجة الوعي بهذا التحول المستقبلي المقبل وكذلك نشر تعليم استخدام التقنية بكافة فئات المجتمع من خلال برامج التدريب المكثفة وكذلك تيسير تملك الأجهزة الإلكترونية بكافة الأسر عبر مبادرات عديدة تخفض تكلفتها على أصحاب الدخل المحدود، إذ يمكن لشركات الاتصالات وتقنية المعلومات أن تسهم بذلك، إضافة للجمعيات الخيرية وأيضاً ليكون ذلك من ضمن المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص، فعالم اليوم والغد أصبح رقمياً والأمية هي من لا يتمكن من دخول هذا العالم، فالأعمال تنتقل لتكون إلكترونية بنطاق واسع جداً ولا يمكن العيش وتيسير أمور الحياة إلا بمواكبة هذا العالم المتغير.
التعليم عن بعد الذي فرضته جائحة كورونا نقل العالم ليكون أكثر ديناميكية في تحقيق أهداف التنمية البشرية باستخدام التكنولوجيا والوصول لكافة أفراد المجتمع ليكونوا جزءًا من هذه التنمية وكذلك أصبح من الممكن أن تربط طلاب المدارس والجامعات بأي محاضر أو منشأة تعليمية متقدمة بالعالم ويتم من خلال هذه السهولة بالربط نقل العلوم والخبرات والتجارب بكثير من مسارات التعليم دون الحاجة للطرق التقليدية التي تكلف وقتاً وجهداً ومالاً ضخماً ويبقى أن ننتقل من استكشاف هذا التحول القادم إلى الاستعداد له بتوجيه الاستثمارات للخدمات التي تدعمه وللبنية التحتية التي تجعل من الانتقال له يسيراً وذلك عبر التوسع بتقنيات الاتصالات وشبكات الإنترنت، فهذا النشاط الجديد سيولد فرص استثمار وعمل كبيرة ومستدامة.