د. حسن بن فهد الهويمل
أناس يتملكهم الخوف, فيعيشون في غيابة التاريخ, لا يحركون ساكناً. حتى في مستويات المعيشة المتدنية, يعيشون دون الكفاف, وإذا أكلوا البلغة من (قَرَعٍ) وماء ساخن, مسح أحدهم وجهه بيديه, ثم قال:- الله لا يغير هذه النعمة, هي نعمة - ولا شك - ولكنها دون المراد.
ألا يقول:- (اللهم غيّرها بأحسن منها).
تلك طبائع وأخلاقيات تستولي على الضعفاء, والزهاد, والقنوعين بما آتاهم الله من فضله, وفضل الله واسع.
الحياة كالأجرام السماوية, تدور حول نفسها, وحول مجراتها, والجميع يسير باتجاه واحد.
ثلاث حركات تتبدل معها الحياة من حسن إلى أحسن, أو من سيئ إلى أسوأ, والإنسان محمول على جُرْمِه, كمُبحر تشظى قاربه, وتمزقت أشرعته, وتكسرت مجاديفه, ولم يبقَ له إلا لوح من خشب تلعب به الأمواج, وشاطئ السلامة مجهول الاتجاه.
التغيير طبيعة الإنسان, وبقدر توفر الرغبة تكون الحياة سوية, وحين يتردد يفسد الرأي:- (فإن فساد الرأي أن تترددا). بالتردد يفوته الركب, ثم يجد نفسه كسقط المتاع.
حتى في الدين, لا بد من عالم صالح, مصلح, يجدد للأمة أمر دينها على رأس كل مئة سنة. لأن النص التشريعي يتلقاه المكلف بفكر, وثقافة, وانتماء:- (يَحْمِل هذا الدِّين من كُلِّ خَلفٍ عُدُوله, يَنْفُون عنه: تحريف الغالين, وانتحال المبطلين, وتأويل الجاهلين).
فإذا كان الوحيان يتعرضان للغلاة, والمبطلين, والجهلة فما ظنك بما سواهما.
الحياة كالنهر الجاري, لا يغيب الماء عن ناظريك, ولكن المنظور يتجدد كل لحظة. أحد الفلاسفة قال لتلميذه:- إنك لن تخوض النهر مرتين, إشارة إلى تدفق الماء. والحياة كذلك, لن تخوضها مرتين, ومن ثم لا بد من مواكبة المتغير الحسي.
قوانين الطبيعة والتاريخ تقتضي التغيير, ونحن نلتمس ذلك عند الفلاسفة, والماركسيين, وديننا هو أول من حرر تلك القوانين:- إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ .
والتغيير قد يأتي انسيابياً لا يشعر به أحد, وقد يكون نتيجة ثورات عنيفة, أو هادئة, دموية, أو بيضاء.
تغيير العنف, والصلف, والقوة قد لا يُجدي, وقد يكون ضرره أكبر من نفعه.
هناك من يحاول التغيير باللسان, وهم العلماء. ومنهم من يحاول التغيير بالسنان, وهم الانقلابيون, والقادة, وقد يكون إلى الأسوأ.
ثم إن الأمة قد تكون لديها قابلية للتغيير, وقد تكون مصابة بعقدة (الأبوية):- إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُون .
مهاد التغيير عدمُ الرضا عن الأوضاع القائمة, فالحتميات تتعرض لحالات من الضعف, والتخلف, وهي تملك مقومات الحياة السوية, ومن ثم تنهض النخبُ, وتقود حركة التغيير قولاً, وعملاً.
أهم شيء القابلية, والاستعداد للتغير, لا يمكن أن تستقيم الأمور مع إعجاب كل إنسان بوضعه.
التغيير أخذ, وعطاء. غزل, ونقض. وليس مجرد هوى يخامر الإنسان, ثم لا يكون تحرف, ولا تحيز (مَنْ خَافَ أدْلَج) و(عِنْد الصَّباح يحمد القوم السرى).
لا بد من الاستعداد والإعداد:- وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً .
العصرنة, والحدثنة, والتقنية الدقيقة تتطلب ذهنيات معينة, وأساليب, وأدوات مناسبة لسرعة اللحاق بالعالم المتسارع الخطو.
هناك تغيير في البنية الفكرية, وتغيير في أسلوب الأداء, وكلتاهما عصية التحقيق, ولكن الإثارة, والتشويق, والاقناع, والاستمالة, وسائل متاحة لتحريك الجمود.
الصدق, والإخلاص, والمعرفة التامة بمتطلبات المرحلة, وسائل لحمل المترددين على حسم المواقف, وبدء عملية التغيير.
لا حياة مع الجمود, ولا لحاق مع التردد, ولا ظفر إلا بالمبادرة:- (فإذا عزمت فتوكل على الله).
(إذَا كُنْتَ ذَا رَأْيٍ فَكُنْ ذَا عَزِيمَةٍ
فإن فَسَادَ الرَّأْيِ أنْ تَتَردَّدا)