لطالما كانت هناك بعض الدعاوى تخبو تارةً وتظهر تارةً أخرى، ومن بين ذلك ما جاء في ثنايا أحد المقالات التي نشرت في هذا القسم من الصحيفة يوم الاثنين الثاني عشر من شهر محرم، العدد: 17477، بعنوان: «معلومات تاريخية عن عين ابن عبدالوهاب.. وتأسيس بلدة الجريفة في الحمادة بالوشم» للأستاذ ماجد الفياض، الذي أشكره على الجهد الذي قام به في جمع هذا الشتات من المعلومات، لكنه في نفس الوقت انعكس بأثر سلبي على المقال، بحيث أن القارئ لايكاد يستقر معه على فكرة معينة، إنما هي معلومات مبعثرة في المتن والحاشية، بعضها أوعزها إلى مصدرها، وبعضها كلام لايعرف له مصدر. يتضح ذلك من طول العنوان الذي لم يكن مواكباً لما جاء في المقالة، فالشطر الأول من العنوان كان لأسطر قليلة وردت في المقالة، أما فيما يتعلق بالشطر الثاني فقد نال نصيب الأسد منها، ولذا فإنه كان من المفترض برأيي المتواضع أن يكون شطري العنوان مكان بعضهما، أو أنه استعاض في العنوان بذكر أسماء الأسر التي تحدث عنها، أو اسم الجد الذي يجمعها، ولكان ذلك أيضاً أفضل لنا كقراء لنستفيد الاستفادة الكاملة من هذه المقالة. وفي الحقيقة لم أستطع تصنيف هذه المقالة، فيما إذا كانت مقالة توثيقية، أم نقدية، أم تحليلية، أم غير ذلك. كما أن هذه المقالة اعتمدت بشكل أساس على مقالة أخرى نشرت قبل أكثر من عشر سنين للكاتب خالد آل إبراهيم(1)، وقد نقل منها نصاً كما أشار إلى ذلك، فيما كأنه إعادة نشر لما كُتب سابقاًَ، مع أني رجعت إلى مقالة آل إبراهيم المذكورة، ولم أجد ما نقله الأستاذ ماجد مطابقاً، لكن يبدو أنه استعان بمقالة أخرى غير منشورة لنفس الكاتب، فاختلط عليه الأمر.
وما يهم في هذه المقالة ما جاء فيه الأستاذ ماجد على ذكر بلدة الجريفة وتأسيسها، لكن قبل ذلك يجدر بنا إيراد نبذة مختصرة عن هذه البلدة، فالجريفة كما هو معروف، إحدى بلدات إقليم الوشم، كانت قائمةً في القرون الهجرية الأولى، ومَرَّ تاريخها بالعديد من المراحل التاريخية، وقد أُعيد تأسيسها قبل أكثر من قرنين من الزمان، على يد حسن بن وضاخ جد أسرة آل تويم، وقد استمرت إمارة البلدة في ذريته، ومنهم ابنه محمد، الذي كان أميراً للبلدة في عام 1246هـ، حسب الوثيقة المرفقة هنا، وتعد هذه الوثيقة أقدم الوثائق التي تذكر اسم أمير البلدة، ومنهم أيضاً حفيده الأمير عبدالعزيز بن تويم، الذي شهدت إمارته السنة التي أَتَمَّ فيها الملك عبدالعزيز -رحمه الله - توحيد أرجاء بلادنا المملكة العربية السعودية في عام 1351هـ، كما عاصر أمير شقراء وشاعرها المعروف عبدالرحمن بن محمد البواردي رحمه الله، وجرى بينهما مراسلة في عام 1350هـ، تبين الدور المناط لبلدة الجريفة في مرحلة توحيد البلاد(2). وَعَوداً على ماذكره الأستاذ ماجد، نجده ينقل عبارات تدل على الجزم، مثل: «تبين أن أول من سكنها - جدد عمارتها - جدد السكنى فيها - عدم مشاركة أحد له في سكناها»، لكني لم أجد في الوثيقة التي اعتمد عليها أي شيءٍ من ذلك إطلاقاً، وقد حَمَّلَ الوثيقة أكبر مما تحتمله، ثم يقول نقلاً عن الكاتب آل إبراهيم: «هذا الرأي الذي قلته أن فارس المشرفي -رحمه الله- هو أقدم من سكن الجريفة في العصور المتأخرة وهو مؤسسها لم أقله وحدي بل ذكره الدكتور خليفة المسعود في رسالته العلمية ... كذلك يرى هذا الرأي الأستاذ/ عبدالله بن بسام البسيمي- الباحث المتخصص في منطقة الوشم ...». ومع خالص التقدير والاحترام لجميع الأسماء المذكورة، فإن أياً منها لم يعتمد في كلامه على مصدرٍ معتبر، إنما هي مقولات شفهية عند القلة، وبعد العودة إلى الرسالة العلمية المنشورة للدكتور خليفة المسعود(3)، لم أجد مصدراً اعتمد عليه في حديثه هذا، والذي يبدو أن الدكتور قد أخذه مشافهةً من أحدهم دون التحري عن صحة المعلومة، فالتبس عليه الأمر، وهنا دعوة إلى الدكتور خليفة والأستاذ البسيمي، إلى إعادة قراءة نص الوثيقة وغيرها من الوثائق أو المصادر، وإفادتنا عما إذا كان فيها شيءٌ من هذه الادعاءات، لتصحيح ما ينسب إليهما أو إثباته، مع أن الأستاذ خالد آل إبراهيم نفسه قد حاول تبرئة ساحته من هذا الادعاء، ومتكئافي الوقت نفسه على نص الدكتور المسعود الذي يفتقد إلى الدليل، وذلك بحسب ما ورد في مقالته بجريدة الرياض، حيث قال مانصه: «... فربما يكون فارس هو المؤسس لهذه البلدة، أو هو مؤسسها فعلاً كما أيد ذلك الدكتور خليفة بن عبدالرحمن المسعود في كتابه...»(4)، ومجرد استخدام الكاتب آل إبراهيم لكلمة: «ربما»، فإن ذلك يدل على عدم يقينه بصحة هذا الاستنتاج.
= = = = = = = = = = =
1- بعنوان: «الجريفة دراسة تاريخية»، صحيفة الرياض، العدد 14809، يوم الجمعة الموافق 12 محرم 1430هـ. وقد فُنِّدَتْ الفكرة التي يتناولها هذا المقال في مقالٍٍ للدكتور مانع بن عبدالله التويم في نفس الصحيفة، بعنوان: «الافتراضات لا تقدم الأدلة والحقائق»، العدد 14865، بتاريخ: 9 ربيع الأول 1430هـ.
2- دراسة تحت النشر اطلعت عليها للدكتور مانع بن عبدالله التويم. وللمزيد من الاطلاع عن البلدة ومراحلها التاريخية، انظر كتاب: الدكتور مانع بن عبدالله التويم، الجريفة دراسة تاريخية، الرياض، 1428هـ. ومقال للأستاذ محمد المسفر، بعنوان: «تاريخ بلدة الجريفة بالوشم»، صحيفة الجزيرة، العدد 13975، 27 محرم 1432هـ.
3- خليفة بن عبدالرحمن المسعود، منطقة الوشم في عهد الدولة السعودية الأولى، الرياض، دارة الملك عبدالعزيز، 1428هـ/2007م، ص117.
4- في مقاله الآنف الذكر: «الجريفة دراسة تاريخية»، في نهاية هامش رقم 4.
** **
- أ. إبراهيم بن محمد التويم