عبدالعزيز السماري
كانت أوروبا تعيش في عصور الظلمات خلال الفترة الواقعة بين 476 م - 1000م، بينما كان العالم العربي والإسلامي يعيش في أوج عصر التنوير في تلك الفترة، فقد كان الاجتهاد والاختراع والبحث والتأليف والتنقيب والترجمة مفتوحة على مصراعيها، وقد ساهم علماء الحضارة العربية في وضع الأسس العلمية للعلم الحديث في مختلف المجالات، ولازالت تركتهم الكبرى مفقودة، برغم من إنقاذ كثير منها من الضياع..
لذلك فإن جزءًا من الأزمة الحضارية المعاصرة أن الاحتفال بهذه الأسماء اللامعة في تاريخ العلم لازال مفقودًا، فقد تمت محاكمتهم من قبل المتطرفين في قراءة الدين الحنيف، وتم إقصاؤهم من التأثير على الجيل الجديد، وصار التمجيد لأولئك الذين أوقفوا انطلاقة الحضارة بفتاوي التكفير وبتهافت العلم والعقل..
ولهذا السبب غابت أفكار ابن الهيثم وجابر بن حيان، وكأننا نسير في نفس الخط الذي أنهى انطلاقة العلم التجريبي في حضارتنا الماضية، فالماضي يعني لدينا التعصب والتطرف للرأي الواحد، وليس للعلم وللحقائق العلمية المذهلة التي سجلوها في تاريخ العلم.
لهذه الأسباب نحتاج أكثر من أي وقت لإعادة كتابة التاريخ العربي، فالعلم والحضارة العربية قامت على عقول علماء أفنوا حياتهم في وضع الأسس للعلم الحديث، بينما غُرست في عقول الجيل الجديد أفكار التطرف والطائفية بسبب التركيز في المناهج العلمية على مناهج الانشقاق في الأفكار والأيدولوجيات المتطرفة..
كانت أهم نقلة في تاريخ العلم بدء الاعتماد على المنهج التجريبي في الوصول إلى الحقيقة العلمية، وقد بدأه علماء مثل ابن الهيثم وجابر بن حيان وغيرهم الكثير، وهو الآن ما يقوم عليه العلم الحديث، وهو ما يجب إبرازه للنشء الجديد، ثم التوقف عن غرس التطرف في العقول، والتي تظهر بجلاء في دولة رجال الدين في إيران، وفي أتباع بقية الحركات المتطرفة من مختلف الطوائف، بينما يهرب العلماء الحقيقيون إلى الغرب، حيث يوجد التقدير للإبداع العلمي.
لم ينل عالم عربي، يعمل في بلد عربي، جائزة نوبل في العلوم، والسبب تسمم الأجواء بالخطاب الأيدولوجي، وغياب منصات العلم الحديث، فالعالم لدينا وصل إلى درجة اليأس من فقر الموارد المالية في مجالات الأبحاث العلمية، ولا يوجد حل آخر لمواجهة مشكلاتنا البيئية والحضارية إلا من خلال تفعيل العقول في البحث العلمي.
لابد من إعادة الاعتبار للعلماء الحقيقيين مثل ابن البيطار والخوارزمي وابن سيناء وابن رشد وغيرهم كثير، ووضعهم في منزلتهم التي يستحقونها، والابتعاد قدر الإمكان عن أطروحات التطرف والتشرذم الأيدولوجي، إذا أردنا بناء الثقة في الأجيال المعاصرة.
الدليل على ذلك أن ارتفاع موجات التطرف كانت بسبب غياب رمزية هؤلاء عن المشهد المعاصر، ولو كان ابن حيان أو ابن الهيثم الرموز بدلاً من أطروحات المتطرفين، هل سيكون للتطرف والتفكير الانتحاري وجود في العقل العربي، من هنا أدعو إلى مبادرة هدفها البحث عن التراث العلمي المفقود، وحفظ الذي نجا من موجات النسيان والإقصاء، وذلك من أجل وضع مناهج تحتفل بإنجازات هؤلاء العلماء العظام.