عبد الله باخشوين
** رغم أن (ذوقي الموسيقي) تربى على (طنقرة) العود وصوت (الطار) وصوت (الزلفة) والإيقاعات الشعبية، بشكل عام، إلا أن صوت (فيروز) دخل على (الخط) ومعه دخلت موسيقى بتهوفن وموزارت والموسيقى الروسية والأرمنية اللبنانية الشعبية التي نسبها الأخوان رحباني لأنفسهما بحكم انفتاحهما على الفنون الشرقية والغربية وتفاعلهما معها بإضافة روحهما (الخاصة) إليها التي تفرضها خصوصية (اللهجة) اللبنانية وثراء (الزجل اللبناني).. وجمال صوت (فيروز) الذي كان وما زال يعد حالة خاصة في الغناء العربي.
وللحق فإن للتلفزيون السعودي دورًا مهمًا في (نشر) صوت فيروز على أسماعنا.. بحكم انعدام (التواصل) مع (الحالة) المصرية (الناصرية) والانفتاح على (عموم) الإنتاج اللبناني...والانفتاح (السياحي) على: (الحالة اللبنانية.. والشامية أيضاً).
غير أن اكتشافنا - إبراهيم عبدالعزيز الفوزان.. وعبدالله مبارك الغنيم.. وأنا- للتسجيلات (الصوتية) لمسرحيات (فيروز) الغنائية.. ظل يمثل نقطة التحول الأساسية في ذائقتنا الفنية
بشكل عام.. وكانت بداية (التحول) تجسدها مسرحية (يعيش.. يعيش) التي قدمتها على المسرح عام 70 ميلادية.. والتي بعدها.. (شاهدنا بآذاننا) كل مسرحياتها تقريباً.
. وإن كانت (يعيش.. يعيش) تمثل حالة خاصة فى مضمونها على مستوى القص والغناء، وباختصار- مخل- يهرب (الإمبراطور) بعد الانقلاب عليه.. وتنتهي المسرحية، بعودته إلى الحكم بـ(انقلاب) يقوده (ملهب) المهرب وهو يقول: (وين فيه مهرب.. وين فيه ضايع.. أحسن لن يجوا عل الحكم.. بينضبوا).
وطبعاً المسرحية تحمل أغانى مثل (حبيتك بالصيف) و(شادي) ومن أغاني سيد درويش.. إضافة إلى الاسكتشات النقدية التي تتردد حتى الآن.. وأحدثت المسرحية ضجة واسعة استعادها اللبنانيون بعد زيارة الرئيس الفرنسي (ماكرون).
أما موزارت فما نقله الأخوان رحباني من موسيقاه - وزياد رحباني أيضاً- كان يكفي لتأمل حياته المأساوية والاستماع لموسيقاه بتعاطف من يريد أن يتذوق الموسيقى العالمية بعيداً عن الادعاء بالإعجاب ببتهوفن.. حيث إن حياته قرأناها من خلال مسرحية بيتر شافر (اماديوس) وكنت سعيداً جداً بمشاهدتها في فيلم المخرج الأمريكى ميلوش فورمان وبطولة توم هيلوك وموراي أبراهم الذي يحمل نفس الاسم (اماذيوس) وحصل فى عام 1984على ثماني جوائز (أوسكار) وتصل مدة عرضه إلى ساعتين و41 دقيقة.. ويسجل الفيلم قصة مؤامرة الموسيقار انتونيو سياليري.. على موزارت بطريقة أدت لوفاته عن عمر لا يزيد على 35 عاماً.. وسياليري هو الموسيقار الخاص بالبلاط الإمبراطوري النمساوي.
هذا الموسيقي الذي انتحر بعد موت موزارت بـ32 عاماً يفسر موت الموسيقار العبقري الشاب وهو يقول إن ظهور هذا الموسيقار الشاب المغرور -موزار- في البلاط الملكي وحصوله على الاهتمام والرعاية من قبل الامبراطور ورعيته سحب البساط من تحت قدميه ولم يتمكن من كتابة موسيقى يمكن أن تعيد له مجده.. في سعي لأن يظل موزار تحت وطأة حياة بائسة ولا يتمكن من تأمين الحياة الكريمة لأسرته.. حيث يعمد - هذا الموسيقي-لتكليفه بكتابة مقطوعة أو سمفونية (قداس الموت) التي طلبها الكونت فرانز فون لعزفها عند موت زوجته المريضة التي كانت تحتضر.. على أن تقدم باسم سياليري مقابل مبالغ نقدية يقدمها لموزارت عند الانتهاء من كتابة كل (قطعة) وكان يحضر لمنزله كل مساء مرتدياً قناعاً مرعباً حتى لا يعرف حقيقة شخصيته وبعد أن يأخذ القطعة ويمنحه المال يستدير فترى على (قفاه) قناعاً أكثر إثارة للرعب.
مات موزار من الحمى والعوز بفعل مرض السل.. قبل أن يكمل موسيقاه فأوعز سياليري لسوسماير طالب موزار بإكمال المقطوعة وعندما تم عزفها في (قداس) موت الزوجة عرف كل الحضور أن مؤلفها الحقيقي هو موزار.. حيث قيل إنه تعمد أن يترك بصمته الخاصة عليها!