«الجزيرة» - الاقتصاد:
قال الرئيس التنفيذي لمجموعة البركة المصرفية السيد عدنان أحمد يوسف، إن «عمليات الاندماج في القطاع المصرفي الخليجي والعربي شهدت نشاطاً خلال السنوات القليلة الأخيرة، لا سيما بعد العام 2014 والذي شهد تراجعا في الإيرادات النفطية، والذي أدى إلى تفاقم التحديات الاقتصادية مع انخفاض أسعار النفط وازدياد المنافسة، وهذا ما دفع عددا من المصارف للبحث عن فرص لخفض التكلفة وتحسين الكفاءة». ولا شك أن «أزمة كورونا سوف تولد ضغوطا عديدة على البنوك. وسوف يتفاوت حجم التأثير استنادا إلى أولا حجم البنك ورأسماله، وثانيا القطاعات والأنشطة الاقتصادية التي تتركز فيها محافظ استثماراته وتمويلاته وثالثا فيما إذا كان له تواجد جغرافي متنوع في بلدان أخرى وحجم تأثر هذه البلدان بفايروس كورونا».
لذلك، فإن «استجابات البنوك لهذه الضغوط سوف تكون متفاوتة، حيث أن الكبيرة منها سوف تتمكن من تجاوزها على المدى المتوسط أي خلال سنتين إلى ثلاث سنوات، بينما البعض الآخر قد يضطر إلى زيادة رؤوس أمواله، وقد يضطر البعض الآخر للبحث عن عمليات اندماج واستحواذ.
وقال إن «من أهم فوائد الاندماج هو إيجاد كيانات مالية قوية قادرة على تحمل أعباء تمويل المشاريع الكبرى، ومواجهة التحديات الاقتصادية المختلفة التي تعصف بالعالم. وتساعد على منافسة البنوك الأجنبية، كما تسهم في إمكانية مواكبة التحديات الاقتصادية الراهنة، وما نجم عن أزمة كورونا، علاوة على القدرة على الاستثمار بشكل كبير في التحول الرقمي الذي بات يفرض نفسه مع تفشي هذه الأزمة». وعن التأثيرات المباشرة التي طرأت على أعمال البنوك الخليجية هذا العام بسبب الجائحة وكيف ومتى يمكنها تجاوز هذه التأثيرات، قال الأستاذ عدنان إن «معظم البنوك الخليجية لديها ربحية قوية نسبيا ونهج محافظ تجاه حساب وتخصيص مخصصات خسائر القروض سواء أكان هذا النهج نابع من رغبة المخاطر المتحفظة لدى هذه البنوك أصلا أو بحكم المتطلبات التنظيمية والرقابية المحلية المتعلقة ببازل 3 و المعيار المحاسبي الدولي 9. بل إن مؤسسة تصنيف دولية مثل ستاندرد أند بورز تقدر بأن البنوك الخليجية يمكن أن تمتص ما يصل إلى 36 مليار دولار على شكل مخصصات وخسائر متوقعة قبل أن تبدأ استنفاد قاعدتها الرأسمالية، وطبعا هذا هو السيناريو الأسوأ الذي وضعته الوكالة لحجم تأثر البنوك الخليجية بتداعيات تفشي وباء كورونا وانخفاض أسعار النفط».
ولا تكمن مرونة الأوضاع المالية للبنوك الخليجية في متانة قاعدتها الرأسمالية، بل أيضا لعوامل أخرى هامة. فعلى سبيل المثال يعتبر جزء كبير من ودائع البنوك التجارية الخليجية ودائع رخيصة التكلفة نسبيا، وهو ما يفسر سبب ارتفاع هوامش البنوك. ففي نهاية العام 2019، بلغ هامش صافي الفائدة للمصارف الخليجية 2.9 %». علاوة على ذلك، فإن «نحو ثلاثة أرباع دخل البنوك يتأتى من دخل الفوائد. أما الإيرادات من غير الفائدة، فهي تتأتى بشكل رئيسي من مصادر الدخل المستدامة مثل الرسوم وعمولات». وعامل آخر «يمثل مصدر قوة للبنوك الخليجية يتمثل في الكفاءة التشغيلية الجيدة، حيث بلغ متوسط نسبة التكلفة إلى الدخل للمصارف الخليجية 37 % في نهاية عام 2019 بحسب ستاندرد أند بورز. ويعكس هذا المستوى المنخفض انخفاض تكلفة العمالة وغياب الضرائب والنهج الصارم في التحكم في التكلفة من خلال شبكات الفروع الصغيرة والاستفادة من التكنولوجيا للعملاء». لكن مع ذلك «يتوقع أن تتراجع أرباح البنوك في عام 2020، بسبب التأثير المزدوج لتفشي وباء كورونا وتراجع أسعار النفط. وذلك لأن نمو التمويل سيظل محدودًا مع قيام البنوك بالتركيز على الحفاظ على مؤشرات جودة الأصول القائمة حاليا بدلاً من إنشاء أعمال جديدة. كذلك، فإن انخفاض أسعار الفائدة سوف يؤدي إلى انخفاض هامش الفائدة. كذلك بطبيعة الحال، فإن تفشي الوباء سوف يلحق ضررا بفئات واسعة من عملاء البنوك مما يؤدي معه إلى تدهور جودة الأصول وزيادة تكلفة المخاطر والمخصصات. ونعتقد أن هذه الأوضاع سوف تستمر خلال العامين القادمين».
وإضاف، بالرغم من أن الصيرفة الإسلامية لا تزال تمثل نسبة ضئيلة من الأصول المالية العالمية، إلا أنها موجودة في أكثر من 60 بلدا بأصول ناهزت 2 تريليون تريليون دولار وأصبحت ذات أهمية نظامية في 14 منها ( 15 % وأكثر من الأصول المصرفية). لذلك ونظرا للتنامي السريع للصيرفة الإسلامية من حيث الحجم والتنويع، فإنها باتت تساهم مساهمة رئيسية في الشمول المالي والتنمية المستدامة، ومن ثم بات لزاما على السلطات الرقابية والبنوك المركزية أن تهتم بصورة أكبر بدراسة وتصميم دور الصيرفة الإسلامية في الاستقرار المالي العالمي، خاصة أنها أثبتت قدرتها على المساهمة في حماية هذا الاستقرار بصورة تفوق قدرة البنوك التقليدية، والتي وعلى العكس، زاولت أنشطة وتاجرت في منتجات أثبتت أنها تمثل أكبر خطر على الاستقرار المالي خلال الأزمة المالية العالمية 2008». كما أن «المنتجات المالية الإسلامية تجمع بين المصداقية الشرعية والكفاءة الاقتصادية بحيث تكون قادرة على تلبية احتياجات اقتصادية حقيقية لأفراد ومؤسسات المجتمع وليس المضاربات الوهمية التي تخلق عدم الاستقرار. أما بالنسبة لتأثير الجائحة عليها مقارنة مع البنوك التقليدية، فنحن «نعتقد أن هناك تشابها كبيرا في مصادر التأثير على كلا البنوك الإسلامية والتقليدية مثل تعطل الأنشطة الاقتصادية وتراجع النشاط الاقتصادي بشكل عام وتراجع الإيرادات النقطية والانخفاض في تنفيذ مشاريع البنية التحتية، علاوة على التزامها جميعها بتقديم الدعم للعملاء. لذلك، فإن التأثير سوف يكون متقاربا».