يانغلو لي
أُغْنِيَةُ الوَفَاءِ
[بَحْرُ الطَّوِيلِ]
لَقَدْ أَحْزَنَتْنَا هَذِهِ الأَزْمَةُ الطَّوِيلَةُ
الضَّيْرِ إِذْ إِنَّ الكَثِيرِينَ قَدْ تُوفَوْا
وَلَمْ نَقْوَ إِلَّا فَعْلَ فِعْلِ المُسَاهَمِينَ
فِي مَنْعِهَا وَهُمْ بِأَعْمَالِهِمْ أَوْفَوْا
وفقاً للأمم المتّحدة، لا يزال هناك 1.3 مليار شخص يعيشون في فقر في العالم بحلول عام 2019، ويعيش 84.5 % منهم في جنوب آسيا وأفريقيا جنوب الصّحراء الكبرى بما فيهم النّساء والأطفال. وأكثر من نصفهم هم دون 18 سنة، وحوالي ثلثهم دون 10 سنة. ويقيد الفقر حقوق هؤلاء النّاس في البقاء والتّنمية، كما يعيق ازدهار البشر المشترك وتقدّمهم. لهذا السّبب أصبح القضاء على الفقر بجميع أشكاله الهدف الأوّل لأهداف التّنمية المستدامة للأمم المتّحدة.
ظلّ الفقر موجوداً منذ نشأة المجتمع البشريّ. وكان البقاء على قيد الحياة أكبر مشكلة في المجتمعات البدائيّة ذات الإنتاجيّة المنخفضة. وفي المجتمعات الإقطاعيّة، كانت وسائل الإنتاج والثّروة تحت سيطرة القلّة من النّاس، بحيث كان معظم النّاس يعيشون في حالة فقر. وفي المجتمعات الرّأسماليّة، كان توزيع وسائل الإنتاج والثّروة غير عادل، وأصبح الاستقطاب مشكلة خطيرة. بعد ظهور العولمة، فشل النّاس الذين يعيشون في المناطق الفقيرة في الاستفادة منها. وبذلت بعض الدّول جهوداً كبيرة لإنهاء الاستقطاب والفقر لتحقيق الرّخاء المشترك. ومع ذلك، فإن تفشّي فيروس كوفيد19 في نهاية عام 2019 قد ترك آثاراً جانبيّة مدمّرة على الجهود السّابقة. وتصبح العولمة أبطأ فأبطأ. وفقاً لتوقّعات الأمم المتّحدة، سينكمش الاقتصاد العالميّ بنسبة 3.2 %. وقد يكون هناك 130 مليون شخص في العالم يعودون إلى الفقر مرّة أخرى. ولا يزال القضاء على الفقر من أكبر التّحدّيات في العالم اليوم، وما زال أمامنا طريق طويل للقضاء عليه.
1 - أضرار الفقر وطبيعتها
إنّ القضاء على الفقر ليس من الأعمال الخيريّة، ولكنه عمل لحفظ حقوق البشر وخلق فرص متكافئة للجميع. وهناك العديد من الأضرار المتعلقة بالفقر. مثلاً يؤدي الفقر إلى نقص الوعي بحماية البيئة. وفي العقود الماضية، زادت كميّة القمامة في العالم الثّالث بشكل ضخم، فلا يهدّد ذلك النّظام البيئيّ فحسب، بل يهدّد أيضاً السّلسلة الغذائيّة وصحّة البشر. وبسبب النّمط البسيط لتنمية الاقتصاد في مناطق فقيرة، فشل السّكان المحليّون في إيلاء اهتمام كافٍ للحفاظ على الطّاقة وخفض الانبعاثات. وبالتّالي، تسبّبت انبعاثات غازات الاحتباس الحراريّ في إلحاق الضّرر بالنّظام المناخيّ. وليست في هذه المناطق أيضاً بنية تحتيّة مؤهّلة كافيّة، بحيث لا يمكنها منع الكوارث الطّبيعيّة بشكل فعّال، فتسبّبت في خسائر اقتصادية فادحة، وتدمير المآوي للعدد الكبير من الأشخاص كلّ عام.
هناك العديد من الأسباب الّتي تسبّب الفقر. أولاً تفتقر بعض المناطق إلى موارد طبيعيّة ومياه، وأراضيها قاحلة، فلا يمكن زراعة محاصيل عاليّة القيمة، ممّا يؤدّي إلى عدم كفاية كميّات الغذاء فضلاً عن المجاعة. وبالإضافة إلى ذلك، كانت بعضها تتميّز ببيئة جغرافيّة رديئة دون أيّ مزايا. ثانياً كانت بعض المناطق متخلّفة اقتصاديّاً منذ العصور القديمة، حيث لا يوجد تراكم الثّروة في البداية. إلى جانب ذلك، في عصر العولمة استخدم بعض الدّول قواعد دوليّة غير متكافئة لتطوير هذه المناطق لخفض تكاليف الإنتاج، وإقامة الحواجز التّجاريّة والاحتكارات الماليّة، بحيث تفضي تلك الأفعال إلى تشديد الفقر في هذه المناطق. ولعلّ هذه الأسباب هي ما تدفع البنك الدّوليُّ لاقتراح خطّة من سبع نقاط لمنع مخاطر العولمة ومساعدة الدّول النّاميّة على الاستفادة من العولمة. ثالثاً نظراً لأنّ الاقتصاد في بعض المناطق متخلّف، لا يوجد فيها أيّ برنامج مركّز على تنظيم الولادات. وأدّى الانفجار السّكانيّ إلى الحدّ من موارد يمكن أن يمتلكها الفرد الواحد. أخيراً هناك بعض العوامل الثّقافيّة. وبسبب تأثير الثّقافة التّقليديّة، لم يولِ أهل بعض الأماكن أهمّيّة كافيّة للتّعليم، فقد يكون التّمييز ضدّ الجنس والمعاقين من الأسباب الّتي تحدث مشاكل تعليميّة، كما لم تهتمّ بعض الأفكار القديمة بتنمية الفرد وتحترم حقوق الإنسان.
خلاصة القول إنّ العوامل الثّلاثة الأولى تتسبّب في الفقر الاقتصاديّ، بينما يتسبّب العامل الأخير في الفقر الرّوحيّ.
2 - التّفكير في كيفيّة القضاء
على الفقر
وفقاً للتّجارب الماضيّة، فإنّ التّعليم طريقة مفيدة للقضاء على الفقر الرّوحيّ. ويقول المثل الصّينيّ القديم إنّ تعليم شخص ما طرق الصّيد أفضل من إعطائه السّمك. لتغيير حالة الفقر، يجب إيلاء الاهتمام بالتّعليم، لأنه يقدر على تغيير مصيرنا. ويشير الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان إلى أنّ التّعليم حق من حقوق النّاس. أوّلاً يمكنه تطوير إمكاناتهم وإدراك قيمهم، فلا يصبحون عبئاً على المجتمع. ثانياً يمكنه تغيير نوعيّة الحياة، وتعزيز التّنمية اقتصاديّاً واجتماعيّاً، ممّا يساهم في بناء المجتمع المتسامح والمفتوح وتعزيز السّلام العالميّ. ومع ذلك، فإنّ في بعض الدّول المنخفضة الدّخل عدد محدود للمعلّمين المؤهّلين، وبنيتها التّحتيّة التّعليميّة غير ملائمة لحاجتها، كما تفتقر إلى السّياسات المدعومة المعنيّة، الأمر الّذي يقيّد تطوير التّعليم المحليّ. لذا من الضّروريّ تعميم التّعليم الابتدائيّ والثّانويّ للجميع في هذه الأماكن. لتحقيق هذه الغاية، يجب تحسين نوعيّة التّعليم والقضاء على التّمييز قبل كل شيء. ثانياً يجب زيادة الاستثمار الرّأسماليّ وبناء المرافق التّعليميّة الأكثر. ثالثاً يجب توفير المعلّمين المؤهّلين لتحقيق التّدريس الفعّال، كما يجب عليهم أن يتلقوا تدريباً دوريّاً لتمكينهم من التّعامل مع مسائل التّدريس الفعليّة. لتكوين قدرة المعلّم المتميّزة، يجب على الحكومة تعزيز إدارة السّلطات التّعليميّة وحثّها على إجراء التّدريب. وإذا لم يتمّ حلّ مشكلة نقص المعلّمين، فهذا يعني أنّ عدد الطّلاب سيزداد في الفصل الواحد، ممّا يترك تأثيراً مدمّراً على جودة التّعليم وعمل المعلّمين. وأخيراً من الضّروريّ تحسين سياسة التّعليم والاهتمام بتعليم النّساء والأطفال. وبسبب تأثير التّقاليد الثّقافيّة في بعض المناطق، صار تعليم النّساء والأطفال من قضايا مهملة، كما عانى الكثير منهم من النّزاعات المسلّحة أو العنف أو الكوارث الطّبيعيّة لفترة طويلة. لذلك ليس لديهم إمكانيّة لاستعمال الموارد التّعليميّة. وإنّ تحسين نوعيّة تعليمهم بمعنى مساعدتهم على إيقاف انتقال الفقر من جيل إلى آخر. على الرّغم من أنّ المعلّمين لهم أهمّيّة كبرى في رفع مستوى التّعليم، إلاّ أن هذه المهنة أحياناً لا تعتبر ذات قيمة في بعض الدّول، ورواتبهم ليست بعاليّة، والّذين يعملون في تخصّصات مختلفة يحصلون على دخول مختلفة، ويحصل المعلّمون الّذين يعملون فيخصّصات مفيدة على رواتب أكثر بكثير من أولئك الّذين يعملون في مجال العلوم الإنسانيّة والفنون حتّى ولو في بعض الدّول المتقدّمة، ممّا يتسبّب في إضعاف حماستهم في العمل. ويجب على الحكومة وسلطات التّعليم اتّخاذ التّدابير لتحسين رواتبهم بشكل عادل، وتحسين ظروف عملهم على جميع المستويات، وتعزيز الدّعوة إلى قيمة هذه المهنة.
فضلاً عن الوسائل التّعليميّة، يجب على الدّول الفقيرة تحسين خطط التّنمية، إذا رغبت في القضاء على الفقر. أوّلاً على الحكومة تعزيز الرقابة على الموارد الماليّة والاستفادة منها بشكل كامل، وتشجيع السّكان الفقراء على المشاركة في الابتكار وريادة الأعمال، وصياغة وتنفيذ السّياسات الهادفة إلى التّخفيف من حدّة الفقر وفقاً للخصائص المحليّة. ثانياً يجب مواصلة تعزيز حلّ القضايا الإقليميّة، وزيادة إدارة الأمن الإقليميّ، والسّعي للقضاء على المشاكل الجذريّة الّتي تسبّب عدم الاستقرار الإقليميّ، وخلق بيئة جيدة للقضاء على الفقر. ثالثاً يجب على الدّول كافة تحسين الرّعاية الطّبيّة والصّحّيّة والتّعليم والتّوظيف والأنظمة الأخرى ذات الصلة فضلاً عن تعزيز بناء البنية التّحتيّة.
ومن منظور التّعاون الدّوليّ، يتطلب القضاء على الفقر مساعدة الاقتصادات النّاشئة الّتي تلعب دوراً حيويّاً في هذا المجال. وساهم ظهور الاقتصادات النّاشئة والمنظّمات الدوليّة في تحطيم الهيكل المركزيّ الّذي تسيطر عليه بعض الدّول بعد الحرب العالميّة الثّانيّة. ولهذه المنظّمات مؤسّسات ماليّة مخصّصة تابعة لها. وبالمقارنة مع المؤسّسات الماليّة القديمة، فإنّ المؤسّسات مثل بنك التّنمية لـ»بريكس» الّذي تمّ إنشاؤه عام 2015 والبنك الآسيويّ للاستثمار في البنية التّحتيّة الّذي أسّسته الصّين وصندوق طريق الحرير الّذي أنشأته الصين عام 2014 برأسمال 40 مليار دولار.. وإلخ، هي تسعى إلى خدمة الدّول النّاميّة بسياسات تفضيليّة أكثر، لأنّ معظم أعضائها من هذه الدّول عموماً، فقد تستفيد معظمها من المساعدات وتقوم بتقديمها في آن واحد. لذلك تميل هذه المنظّمات أكثر إلى العدل والمساواة بين الدّول الّتي تتلقّى المساعدات والدّول الّتي تقوم بتقديمها. وإنّ تعزيز التّعاون بين دول الجنوب وتطوير الدّبلوماسيّة المتعدّدة الأطراف هما مفيدتان لتحسين طرق التّنمية في الدّوليّة النّاميّة أيضاً.
في عصر ما بعد كورونا، إذا سمحت الظّروف، يجب على الصّين الاستمرار في تعزيز التّعاون في القدرة الإنتاجيّة مع الدّول الأخرى واستخدمت مزاياها التّكنولوجيّة لتحقيق تخصيص الموارد عبر الحدود قدر الإمكان. ولا تساعد هذه الطّريقة بشكل فعّال الدّول الأقلّ نمواً على تعزيز التّقدّم العلميّ والتّكنولوجيّ والتّنمية الصّناعيّة فحسب، بل على مشاركة أفكار الصّين وتجاربها النّاجحة في القضاء على الفقر كذلك. ولكن بعض أوجه القصور الموجودة ما زالت تحتاج إلى حلّها مثل تعزيز تصميم التّعاون على المستوى الأعلى بين الحكومات، وتعزيز إدارة الجودة للمؤسّسات، وتعزيز الاتّصال بين الحكومات والشّركات ومراكز الفكر والقطاع الخاصّ.
3 - خلاصة
في هذه الفترة من التّغيّرات الكبرى، ينبغي للدّول الفقيرة أن تعزّز تعاونها مع المجتمع الدّوليّ، كما ينبغي للمجتمع الدّوليّ أن يقدّم المزيد من المساعدة لها للتّعامل بشكل مشترك مع الآثار السّلبيّة للوباء على الاقتصاد. ويجب ألاّ يكون الدّعم من جميع الأطراف شعارات مثاليّة رنانة، بل يتمّ تنفيذه في إجراءات ملموسة. وإذا عمل المجتمع الدّوليّ معاً، فمن المحتمل القضاء على الفقر بجميع أشكاله في المستقبل القريب.
** **
- جامعة الدّراسات الدّوليّة بشانغهاي